واجبا متعينا، فهو رشوة، وإن كان مباحا فإجارة أو جعالة، وإما للتقرب والتودد إلى المبذول له، فإن كان بمجرد نفسه، فهدية، وإن كان ليتوسل بجاهه إلى أغراض ومقاصد، فإن كان جاهه بالعلم أو النسب، فهو هدية، وإن كان بالقضاء والعمل، فهو رشوة.
الأدب الثامن: في تأديبه المسيئين عمن أساء الأدب في مجلسه من الخصوم بأن صرح بتكذيب الشهود، أو ظهر منه مع خصمه لدد، أو مجاوزة حد، زجره ونهاه، فإن عاد، هدده وصاح عليه، فإن لم ينزجر، عزره بما يقتضيه اجتهاده من توبيخ وإغلاظ القول، أو ضرب وحبس، ولا يحبسه بمجرد ظهور اللدد، وعن الإصطخري أنه على قولين. وفي يتيمة اليتيمة أنه إنما يضربه بالدرة دون السياط إذ الضرب بالسياط من شأنه الحدود. وهذا الذي ادعاه غير مقبول، بل الضرب بالسياط جائز في غير الحدود، ألا ترى أن لفظ الشافعي رحمه الله في تعزير القاضي شاهد الزور حيث قال: عزره ولم يبلغ بالتعزير أربعين سوطا. ومثال اللدد أن تتوجه اليمين على الخصم، فيطلب يمينه، ثم يقطعها عليه، ويزعم أن له بينة، ثم يحضره ثانيا وثالثا، ويفعل كذلك، وكذا لو أحضر رجلا، وادعى عليه وقال: لي بينة وسأحضرها، ثم فعل ذلك ثانيا وثالثا إيذاء وتعنتا. ولو اجترأ خصم على القاضي وقال: أنت تجور أو تميل، أو ظالم، جاز أن يعزره وأن يعفو، والعفو أولى إن لم يحمل على ضعفه، والتعزير أولى إن حمل عليه.
فرع شهادة الزور من أكبر الكبائر، ومن ثبت أنه شهد بزور، عزره القاضي بما يراه من توبيخ وضرب وحبس، وشهر حاله، وأمر بالنداء عليه في سوقه إن كان من أهل السوق، أو قبيلته إن كانت له قبيلة، أو مسجده تحذيرا للناس منه، وتأكيدا لامره، وإنما تثبت شهادة الزور بإقرار الشاهد إن تيقن القاضي، بأن شهد أن فلانا زنى بالكوفة يوم كذا، وقد رآه القاضي ذلك اليوم ببغداد. هكذا أطلقه الشافعي والأصحاب رحمهم الله تعالى، ولم يخرجوه على أن القاضي هل يحكم بعلمه، ولا يكفي قيام البينة بأنه شاهد زور، فقد تكون هذه بينة زور.
الأدب التاسع: لا ينفذ قضاء القاضي لنفسه، ولا لمملوكه القن وغير