قال (فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان) لم يجز والله أعلم أن يقال إن عفى بأن صولح على أخذ الدية لأن العفو ترك حق بلا عوض. فلم يجز إلا أن يكون إن عفى عن القتل فإذا عفا لم يكن إليه سبيل وصار للعافي القتل مال في مال القاتل وهو دية قتيله فيتبعه بمعروف ويؤدي إليه القاتل بإحسان، فلو كان إذا عفا عن القاتل لم يكن له شئ لم يكن للعافي يتبعه ولا على القاتل شئ يؤديه بإحسان (وقال) وقد جاءت السنة مع بيان القرآن في مثل معنى القرآن أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي شريح الكعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن الله عز وجل حرم مكة ولم يحرمها الناس فلا يحل لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ولا يعضد بها شجرا فإن ارتخص أحد فقال أحلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله أحلها لي ولم يحلها للناس، وإنما أحلت لي ساعة من النهار ثم هي حرام كحرمتها بالأمس ثم إنكم يا خزاعة قد قتلتم هذا القتيل. من هذيل وأنا والله عاقله فمن قتل بعده قتيلا فأهله بين خيرتين إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا أخذوا العقل) (قال الشافعي) وأنزل الله جل ثناؤه (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل) فيقال والله أعلم في قوله (فلا يسرف في القتل) لا يقتل غيره قاتله (قال الشافعي) في قوله تبارك وتعالى (كتب عليكم القصاص في القتلى) إنها خاصة في الحيين اللذين وصف مقاتل بن حيان وغيره ممن حكيت قوله في غير هذا الموضع. ثم أدبها أن يقتل الحر بالحر إذا قتله والأنثى بالأنثى إذا قتلها ولا يقتل غير قاتلها إبطالا لأن يجاوز القاتل إلى غيره إذا كان المقتول أفضل من القاتل كما وصفت ليس أنه لا يقتل ذكر بالأنثى إذا كانا حرين مسلمين ولا أنه لا يقتل حر بعبد من هذه الجهة إنما يترك قتله من جهة غيرها، وإذا كانت هكذا أشبه أن تكون لا تدل على أن لا يكون يقتل اثنان بواحد إذا كانا قاتلين (قال الشافعي) وهي عامة في أن الله عز ذكره أوجب بها القصاص إذا تكافأ دمان وإنما يتكافئان بالحرية والاسلام وعلى كل ما وصفت من عموم الآية وخصوصها دلالة من كتاب أو سنة أو إجماع (قال الشافعي) فأيما رجل قتل قتيلا فولى المقتول بالخيار إن شاء قتل القاتل وإن شاء أخذ منه الدية وإن شاء عفا عنه بلا دية. (قال الشافعي) وإذا كان لولى المقتول اخذ المال وترك القصاص كره ذلك القاتل أو أحبه لأن الله عز وجل إنما جعل السلطان للولي والسلطان على القاتل فكل وارث من زوجة أو غيرها سواء وليس لاحد من الأولياء أن يقتل حتى يجتمع جميع الورثة على القتل وينتظر غائبهم حتى يحضر أو يوكل وصغيرهم حتى يبلغ ويحبس القاتل إلى اجتماع غائبهم وبلوغ صغيرهم: فإن مات غائبهم أو صغيرهم أو بالغهم قبل اجتماعهم على القتل فلوارث الميت منهم في الدم والمال مثل ما كان للميت من أن يعفو أو يقتل (قال الشافعي) فإذا أخذ حقه من الدية فذلك له ولا سبيل له إلى الدم إذا أخذ الدية أو عفا بلا دية (قال الشافعي) ولو كان على المقتول دين وكانت له وصايا لم يكن لأهل الدين ولا الوصايا العوض في القتل إن أراد الورثة، فإن عفا الورثة وأخذوا الدية أو عفا أحدهم كانت الدية حينئذ مالا من ماله يكون أهل الدين أحق بها ولأهل الوصايا حقهم منها (قال الشافعي) ولو لم تختر الورثة القتل ولا المال حتى مات القاتل كانت لهم الدية في ماله يحاصون بها غرماءه كدين من دينه (قال الشافعي) ولو اختاروا القتل فمات القاتل قبل يقتل كانت لهم الدية في ماله لأن المال إنما يبطل عنهم بأن يختاروا القتل ويقتلون فيكونون مستوفين لحقهم من أحد الوجهين، وكذلك لو قضى لهم بالقصاص بعد اختياره فمات المقضى عليه بالقصاص قبل يقتل كانت لهم الدية في ماله (قال الشافعي) ولو لم يمت القاتل ولكن رجل قتله خطأ فأخذت له
(١٠)