لا يتحرى (1) أحدكم بصلاته (2) عند طلوع الشمس ولا عند غروبها " 874 - (3) أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي (4) ان رسول الله قال " إن الشمس تطلع
(١) هكذا هو في الأصل بصورة المرفوع، وكتب فيه «لا يتحرا» بالألف، على عادته في كتابة مثل ذلك. وفي ب ونسخة ابن جماعه «لا يتحر» وهو مخالف للأصل، وقد اختلفت نسخ الموطأ فيه. والظاهر أن النسخة التي شرح عليها السيوطي كالأصل هنا، والتي شرح عليها الزرقاني بحذف الياء، وقال: «هكذا بلا ياء عند أكثر رواة الموطأ، على أن [لا] ناهية، وفي رواية التنيسي والنيسابوري [لا يتحرى] بالياء على ان [لا] نافية». الثابت في النسخة اليونينية من البخاري - وهي أصح النسخ، ضبطا وإتقانا - «لا يتحري» بالياء أيضا (ج ١ ص ١٢١) وكذلك في اختلاف الحديث، وقد تمحلوا لتأويل ذلك كعادتهم، بجعل [لا] نافية، كما فعل الزرقاني، وكما نقل الحافظ ابن حجر في الفتح عن السهيلي وعن الطيبي (ج ٢ ص ٤٩ - ٥٠). وقال الحافظ العراقي في طرح التثريب (ج ٢ ص ١٨٢): «كذا وقع في الموطأ والصحيحين [لا يتحرا] باثبات الألف، وكان الوجه حذفها، ليكون ذلك علامة جزمه، ولكن الاثبات اشباع، فهو على حد قوله تعالى (إنه من يتقي ويصبر) فيمن قرأ باثبات الياء».
وانظر أيضا شرح شواهد التوضيح لابن مالك (ص ١١ - ١٥).
(٢) كذا في الأصل وسائر النسخ «بصلاته» والذي في الموطأ والبخاري واختلاف الحديث و غيرها بدلها «فيصلى». فيظهر أن الشافعي رواه هنا بالمعنى.
(٣) الحديث في الموطأ (ج ١ ص ٢٢١) ورواه الشافعي عن مالك، في اختلاف الحديث (ص 125) وفي الام (ج 1 ص 130) ورواه البخاري ومسلم وغيرهما أيضا.
وانظر شرح الزرقاني على الموطأ (ج 1 ص 396 - 397).
(4) «الصنابحي» بضم الصاد المهملة وفتح النون وكسر الباء الموحدة ثم حاء مهملة، نسبة إلى «صنابح» بطن من مراد، كما قال الزرقاني في شرح الموطأ (ج 1 ص 395).
وقد اضطربت أقوالهم في الصنابحي هذا اضطرابا غريبا، لأن عندهم راويين آخرين يشتبهان به، أحدهما «أبو عبد الله عبد الرحمن بن عسيلة - بالتصغير الصنابحي»، والآخر «الصنابح بن الأعسر الأحمسي» فقد ظنوا أن الصنابحي الراوي هنا هو أحد هذين، وأن مالكا أو بعض الرواة عنه أخطأ في اسمه، ولذلك قال الترمذي في [باب ما جاء في فضل الطهور] بعد أن ذكر ان في الباب عن الصنابحي، قال: «والصنابحي الذي روى عن أبي بكر الصديق ليس له سماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، واسمه عبد الرحمن بن عسيلة، ويكنى أبا عبد الله، رحل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الطريق، وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث». (ج 1 ص 8 من شرحنا عليه).
وقال أيضا في [باب ما جاء في كراهية الصلاة بعد العصر وبعد الفجر] فيمن ذكر أحاديثهم في الباب: «الصنابحي ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم» (ج 1 ص 344).
ونقل الحافظ ابن حجر في التهذيب (ج 6 ص 91) عن الترمذي قال: «سألت محمد بن إسماعيل عنه؟ فقال: وهم فيه مالك، وهو أبو عبد الله، واسمه عبد الرحمن بن عسيلة، ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم». وكذلك نقل البيهقي في السنن الكبرى عن البخاري (ج 1 ص 81 - 82)، ونقل نحوه أيضا عن يحيى بن معين، وقال البيهقي أيضا في هذا الحديث (ج 2 ص 454): «كذلك رواه مالك بن أنس، ورواه معمر بن راشد عن زيد بن أسلم عن عطاء، عن أبي عبد الله الصنابحي. قال أبو عيسى الترمذي: الصحيح رواية معمر، وهو أبو عبد الله الصنابحي، واسمه عبد الرحمن بن عسيلة». ونقل ابن حجر في التهذيب (ج 6 ص 229) عن يعقوب بن شيبة قال: «هؤلاء الصنابحيون الذين يروى عنهم في العدد ستة، وإنما هما اثنان فقط: الصنابحي الأحمسي، وهو الصنابح الأحمسي، هذان واحد، من قال فيه [الصنابحي] فقط أخطأ، وهو الذي يروي عنه الكوفيون، والثاني: عبد الرحمن بن عسيلة، كنيته أبو عبد الله، لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، بل أرسل عنه، روى عن أبي بكر وغيره، فمن قال [عن عبد الرحمن الصنابحي] فقط أصاب اسمه، ومن قال [عن أبي عبد الله الصنابحي] فقد أصاب كنيته، وهو رجل واحد، ومن قال [عن أبي عبد الرحمن] فقد أخطأ، قلب اسمه فجعله كنيته، ومن قال [عن عبد الله الصنابحي] فقد أخطأ قلب كنيته فجعلها اسمه. هذا قول علي بن المديني ومن تابعه، وهو الصواب عندي».
وقد قلدهم ابن عبد البر في ذلك، فيما نقله عنه السيوطي في شرح الموطأ في موضعين (ج 1 ص 52 و 220) قال في الأول: «قال ابن عبد البر: سئل ابن معين عن أحاديث الصنابحي عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: مرسلة، ليس له صحبة، وإنما هو من كبار التابعين، وليس هو [عبد الله]، وانما هو [أبو عبد الله] واسمه عبد الرحمن بن عسيلة». وقال في الموضع الثاني، وهو شرح الحديث الذي هنا:
«قال ابن عبد البر: هكذا قال جمهور الرواة عن مالك، وقالت طائفة، منهم مطرف واسحق بن عيسى الطباع: [عن عطاء عن أبي عبد الله الصنابحي] قال: وهو الصواب وهو عبد الرحمن بن عسيلة، تابعي ثقة، ليست له صحبة. قال: وروى زهير بن محمد هذا الحديث عن زيد بن أسلم عن عطاء عن عبد الله الصنابحي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو خطأ، والصنابحي لم يلق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وزهير، لا يحتج بحديثه».
هذا قولهم، وكله عندي خطأ، اختلطت عليهم الروايات والأسماء واشتبهت، بل هم ثلاثة، لا اثنان: «الصنابح بن الأعسر الأحمسي» صحابي، و «أبو عبد الله عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي» تابعي، والثالث: «عبد الله الصنابحي» صحابي سمع النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يخطئ فيه مالك، ولم يخطئ زهير بن محمد في روايته قول عبد الله الصنابحي «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم»، وزهير ثقة، والطعن فيه ليس قائما، وانظر كلامنا عليه في شرحنا على الترمذي (ج 2 ص 91 - 92) ومع ذلك فان زهيرا لم ينفرد بهذا التصريح بسماع عبد الله الصنابحي من النبي صلى الله عليه وسلم، فقد صرح به مالك أيضا، نقله الحافظ في الإصابة (ج 4 ص 145) فقال: «وكذا أخرجه الدار قطني في غرائب مالك من طريق إسماعيل بن أبي الحرث، وابن منده من طريق إسماعيل الصائغ: كلاهما عن مالك وزهير بن محمد قالا: حدثنا زيد بن أسلم بهذا، قال ابن منده: رواه محمد بن جعفر بن أبي كثيروخارجة بن مصعب بن زيد».
وأقوى من هذا كله أن ابن سعد ترجم في الطبقات «تسمية من نزل الشأم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم» فذكر تراجمهم (ج 7 ق 2 ص 111 - 151) ثم ترجم عقبهم «الطبقة الأولى من أهل الشأم بعد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم» فذكر الصنابحي هذا في الصحابة الذين نزلوا الشأم فقال (ج 7 ق 2 ص 142):
«عبد الله الصنابحي، أخبرنا سويد بن سعيد قال حدثنا حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال: سمعت عبد الله الصنابحي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أن الشمس تطلع من قرن شيطان، فإذا طلعت قارنها، فإذا ارتفعت فارقها، ويقارنها حين تستوي، فإذا نزلت للغروب قارنها، وإذا غربت فارقها، فلا تصلوا هذه الساعات الثلاث».
فهذا جزم من ابن سعد بأنه صحابي، ورواية باسناد صحيح أنه سمع من النبي صلى الله عليه وسلم، كرواية زهير بن محمد.
ثم هذا الصنابحي له حديثان، هذا الحديث الذي هنا، وحديث آخر في فضل الوضوء، رواه مالك في الموطأ بهذا الإسناد (ج 1 ص 52 - 53) ومالك الحكم والحجة في حديث أهل المدينة وروايتهم، وقد تابعه غيره في حديث الباب، فلا يحكم بخطئه الا بدليل قاطع، إذ هو الحجة على غيره.
وبعد كتابة ما تقدم وجدت بحاشية الأم (ج 1 ص 130) عن السراج البلقيني قال: «حديث الصنابحي هذا هو في الموطأ روايتنا من طريق يحيى بن يحيى. وأخرجه النسائي من حديث قتيبة عن مالك كذلك، وأما ابن ماجة فأخرج الحديث من طريق شيخه اسحق بن منصور الكوسج عن عبد الرزاق عن معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي عبد الله الصنابحي، كذا وقع في كتاب ابن ماجة [عن أبي عبد الله]. واعلم أن جماعة من الأقدمين نسبوا الامام مالكا إلى أنه وقع له خلل في هذا الحديث. باعتبار اعتقادهم أن الصنابحي في هذا الحديث هو عبد الرحمن بن عسيلة أبو عبد الله، وإنما صحب أبا بكر الصديق رضي الله عنه، وليس الأمر كما زعموا، بل هذا صحابي غير عبد الرحمن بن عسيلة، وغير الصنابحي بن الأعسر الأحمسي، وقد بينت ذلك بيانا شافيا في تصنيف لطيف، سميته [الطريقة الواضحة في تبيين الصنابحة]، فلينظر ما فيه فإنه نفيس».
وهذا يوافق ما رجحته، فالحمد لله على التوفيق.