وهذا القول - أي كفاية الرؤية في بلد ما لثبوت الهلال في بلد آخر مع اشتراكهما في كون ليلة واحدة لهما معا وإن كان أول ليلة لأحدهما وآخر ليلة للآخر، ولو مع اختلاف أفقهما - هو الأظهر، ويدلنا على ذلك أمران:
(الأول): أن الشهور القمرية إنما تبدأ على أساس وضع سير القمر واتخاذه موضعا خاصا من الشمس في دورته الطبيعية، وفي نهاية الدورة يدخل تحت شعاع الشمس، وفي هذه الحالة (حالة المحاق) لا يمكن رؤيته في أية بقعة من بقاع الأرض، وبعد خروجه عن حالة المحاق والتمكن من رؤيته ينتهي شهر قمري، ويبدأ شهر قمري جديد.
ومن الواضح، أن خروج القمر من هذا الوضع هو بداية شهر قمري جديد لجميع بقاع الأرض على اختلاف مشارقها ومغاربها، ولا لبقعة دون أخرى، وإن كان القمر مرئيا في بعضها دون الآخر، وذلك لمانع خارجي كشعاع الشمس، أو حيلولة بقاع الأرض أو ما شاكل ذلك، فإنه لا يرتبط بعدم خروجه من المحاق، ضرورة أنه ليس لخروجه منه أفراد عديدة بل هو فرد واحد متحقق في الكون لا يعقل تعدده بتعدد البقاع، وهذا بخلاف طلوع الشمس فإنه يتعدد بتعدد البقاع المختلفة فيكون لكل بقعة طلوع خاص بها.
وعلى ضوء هذا البيان فقد اتضح أن قياس هذه الظاهرة الكونية بمسألة طلوع الشمس وغروبها قياس مع الفارق، وذلك لأن الأرض بمقتضى كرويتها يكون - بطبيعة الحال - لكل بقعة منها مشرق خاص ومغرب كذلك، فلا يمكن أن يكون للأرض كلها مشرق واحد ولا مغرب كذلك وهذا بخلاف هذه الظاهرة الكونية - أي خروج القمر عن منطقة شعاع الشمس - فإنه لعدم ارتباطه ببقاع الأرض وعدم صلته بها لا يمكن أن يتعدد بتعددها.