النسخ ثابتا عندهم لما فعلوا ذلك.
وعليه فيكون ادعاء النسخ أمر مشكوك فيه، إذ لو كان لعلمه هؤلاء الصحابة والتابعين، ونضيف إليه: إن القول بنسخ الكتاب القطعي بخبر الواحد الظني مما يضحك الثكلى، وخبر مصدع هو خبر واحد، بل إن جميع أخبار الغسل هي هكذا، كما سيأتي تفصيله لاحقا.
وقد تبين مما تقدم: أن ابن حزم قد اعترف بكون المسح هي سيرة المسلمين في الصدر الأول. وأنه المنزل من قبل الله في القرآن العظيم، وأنه فعل النبي (صلى الله عليه وآله)، لما رواه عن جمع من الصحابة أمثال: علي بن أبي طالب وابن عباس ورفاعة بن رافع وأنس بن مالك وغيرهم.
قال ابن حجر - وهو في معرض شرح رواية موسى التبوذكي عن أبي عوانة في البخاري:
(قوله: ونمسح على أرجلنا) انتزع منه البخاري أن الإنكار عليهم كان بسبب المسح لا بسبب الاقتصار على غسل بعض الرجل، فلهذا ذكره في الترجمة (1) (ولا يمسح على القدمين)، وهذا ظاهر الرواية المتفق عليها، وفي إفراد مسلم (فانتهينا إليهم وأعقابهم بيض تلوح لم يمسها الماء) فتمسك بهذا من يقول بإجزاء المسح ويحمل الإنكار على ترك التعميم، لكن الرواية المتفق عليها أرجح، فتحمل هذه الرواية عليها بالتأويل، فيحتمل أن يكون معنى قوله (لم يمسها الماء) أي ماء الغسل جمعا بين الروايتين...) (2).
ولعمري أن ابن حجر قد أنصف هنا في عدة أمور:
الأولى: الذهاب إلى أن رواية أبي عوانة عن يوسف بن ماهك هي أرجح من رواية مصدع عن عبد الله بن عمرو، لكون الأولى متفق عليها بخلاف رواية مصدع التي تفرد بها مسلم.