فجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) فرأى أقدامهم بيضا من أثر الوضوء.
وهذا النص يعني أن الأقدام كانت مغسولة بما فيها الأعقاب والعراقيب، لقول الراوي: إن النبي (صلى الله عليه وآله) رآها بيضا، والبياض يتناسب مع كونها مغسولة. ولا يمكن القول بأن جملة (فرأى أقدامهم بيضاء) تعني أن الأقدام كانت مغسولة دون العراقيب ولأجله قال (صلى الله عليه وآله): ويل للعراقيب من النار، لأن الاطلاق (أقدامهم) لا يفهم منه العقلاء إلا الاستيعاب حتى للعراقيب، ويدل عليه ما استدل عليه مفسروا أهل السنة والجماعة لقوله تعالى (وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم) هو استيعاب الغسل حتى للعراقيب.
وبهذا فقد عرفنا بأن أقوى الأسانيد الغسلية هي مجملة غير واضحة، وهي ليست صريحة في بيان المطلوب والدلالة على الغسل، لكن الأسانيد المرجوحة منها هي أكثر بيانا، فما يعني هذا؟ وبأيهما يؤخذ؟!
بقي الكلام عن مرويات يوسف بن ماهك، وهذه الروايات وإن كانت مجملة أيضا - في بيان تفاصيل الوضوء - إلا أنها صريحة في زاوية واحدة منها، وهي: أن أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) بأجمعهم مسحوا أقدامهم في الوضوء، وأن النبي (صلى الله عليه وآله) لم ينههم عن المسح بل ذكرهم بأمر إضافي وهو ويل للأعقاب من النار، قالها مرتين أو ثلاثا.
أي أن النبي (صلى الله عليه وآله) أقر فعلهم [أي المسح] ثم أرشدهم إلى أمر إضافي وهو لزوم الحيطة من الأعقاب لكونها معرضة للنجاسة، وإن وجود النجاسة في البدن أو الثوب وخصوصا في الرجل يدعو إلى الهلكة، وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أكد بأن أكثر عذاب أهل القبور من رذاذ البول، وهذا يتفق مع كون قوله (صلى الله عليه وآله) (ويل للأعقاب من النار) هو تنبيه على وجوب طهارة العقب من النجاسة الخبثية.
فلو كان المسح باطلا لقال لهم: لا تمسحوا، ومن مسح فوضوئه باطل، وحيث لم ينههم عن المسح، بل أقر فعلهم بالسكوت ثم التنويه والإرشاد على أمر يجب مراعاته للماسحين، وهو الحيطة من رذاذ البول وما يتعلق بالأعقاب من النجاسة.
عرفنا بأن جملة (ويل للأعقاب من النار) بنفسها لا تدل على الغسل الواجب للرجل.
ونحن كنا قد وضحنا سابقا أن روايات يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عمرو