البحث الدلالي بعد أن عرضنا الروايات المسحية، وخصوصا الصحاح منها في مرويات عبد خير والنزال بن سبرة، نقول:
إن الصفحات السابقة أوضحت لنا عدم صمود الروايات الغسلية عن علي بن أبي طالب أمام ما صح عنه من مرويات المسح، إذ كان أحسن ما فيها إسناد عبد خير عن علي، وقد أثبتنا ضعفها في الغسل - وأنها معلولة - وقوتها في المسح، فتقدم روايته للمسح عن علي و.
وإذا تنزلنا وقلنا بقوة رواية الغسل فهي معارضة برواية المسح عنه، ولو تعارضتا تساقطتا، فلا تبقى رواية غسلية حجة بعدها إذن، وعند ذلك تبقى روايات النزال بن سبرة المسحية هي الصحيحة في الباب، فالأسانيد الأربعة الأوائل بعضها صحيحة بنفسها وبعضها صحيحة بغيرها.
وكذا الحال بالنسبة إلى متونها، فهي ظاهرة وصريحة الدلالة على المسح، وأما جملة: " وذكر رأسه ورجليه " في خبر البخاري، فهي الأخرى دالة على مسح القدمين، وإن كان الراوي لم يصرح بحكم الرأس والرجلين فيهما، لأن الفصل في كلامه " وذكر رأسه ورجليه " عما في الوجه واليدين، يعني تغير الحكم فيهما، وقد أراد الكرماني الإجابة عن هذا الإشكال فقال:
إن قلت: لم فصل الرأس والرجلين عما تقدم ولم يذكرهما على وتيرة واحدة؟
قلت: حيث لم يكن الرأس مغسولا بل ممسوحا فصله عنه، وعطف الرجل عليه، وإن كانت مغسولة على نحو قوله تعالى * (وأرجلكم) * أو كان لا بس الخف فمسحه أيضا (1).
وهذا التأويل من الكرماني باطل ولا يسكن إليه قلب الحر، لعدة جهات: