هي من طريق أبي عوانة عن أبي بشر، وقد كان هذا الطريق مخدوش بأبي عوانة، فلو فرضنا أنه معارض بما رواه منصور عن هلال بن يساف عن أبي يحيى الأعرج عن عبد الله بن عمرو بن العاص، فنحن نرجح ما رواه أبو عوانة على ذلك الطريق لمجموع الجهات الآتية:
الأولى: إن متون جميع طرق أبي عوانة عن أبي بشر عن يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عمرو متحدة لا زيادة فيها ولا نقص، بخلاف ما رواه أبو يحيى الأعرج فإن متونها مجملة مضطربة.
الثانية: هناك عدد من الحفاظ، وهم مشايخ البخاري ومسلم وغيرهما كموسى التبوذكي، وشيبان بن فروخ، وأبو كامل الجحدري وعارم بن الفضل، وعفان بن مسلم الصفار وحتى محمد بن جعفر (غندر) كلهم قد رووا عن أبي عوانة عين ما يرويه الآخر، بخلاف تلك المرويات فإن الرواة اختلفوا في الرواية عن منصور.
الثالثة: إن البخاري لم يخرج في الوضوء عن عبد الله بن عمرو إلا ما رواه أبو عوانة وهذه ميزة أو مرجح لما في المقام.
الرابعة: إن رواية أبي عوانة متفق عليها حيث أخرجها الشيخان (البخاري ومسلم) بخلاف رواية أبي يحيى والتي هي من إفراد مسلم، ولا يخفى عليك أن المتفق عليه عند الشيخين. يترجح على ما يتفرد به أحدهما، كما فيما نحن فيه.
وقد يقال: أن هناك مرويات وشواهد في هذه المسألة كويل للأعقاب من النار، التي رويت عن عائشة وأبي هريرة وغيرهما عن النبي (صلى الله عليه وآله)، وهذا بحد ذاته دليل على عدم تفرد عبد الله بن عمرو بن العاص في هذه القضية.
قلنا: سنبين في البحث القرآني لهذه الدراسة أن مرويات (ويل للأعقاب) وإن ثبت صدورها عن رسول الله فهي غير دالة على شئ من أفعال الوضوء بالخصوص، بل إنها تدل على أمر خارجي وهو لزوم طهارة الأعقاب، علما بأن روايات عبد الله بن عمرو ليس فيها تصريح سوى رواية يوسف بن ماهك عنه، الدالة على المسح على الأقدام لقوله: (فجعلنا نتوضأ ونمسح على أرجلنا فنادى بأعلى صوته ويل للأعقاب من النار) ونؤكد القول وللمرة الثانية: بأنا لم نعثر على شئ في تلك الروايات يشير