وقفة مع قوله " لرأيت " مر عليك خبر عبد خير عن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وأنه رأى الإمام يمسح ظهور قدميه ويقول: لولا أ ني رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) مسح على ظهورهما لظننت أن بطونهما أحق. وقد كنا أثبتنا في مدخل الدراسة انقسام المسلمين إلى نهجين في الوضوء، وأن دعاة الغسل كانوا من أصحاب الرأي ومن الذين ينظرون إلى الأحكام من زاوية استحسانية ذوقية، لا تعبدية شرعية.
وأن دعاة المسح كانوا من المتعبدين بفعل وقول رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد شهد لهم بذلك الخليفة عثمان بقوله: (إن ناسا يتحدثون بأحاديث لا أدري...) فالإمام علي أراد بقوله هذا إلزام اتجاه الرأي بما ألزموا به أنفسهم - مثلما فعل ابن عباس معهم - فقال لهم - ما معناه -: لو كان المسح من الأمور العادية ومن المستحسنات النفسية لكنت أرى مثل ما ترون - أن مسح باطن القدم أولى من مسح ظاهرها - لكني بما أني من المتعبدين بقول وفعل النبي (صلى الله عليه وآله)، وكون الوضوء من الأمور الشرعية لا العرفية والاجتماعية. وقد رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يمسح على ظهورهما فألزمت نفسي بالمسح وترك الاجتهاد مقابله.
ومثله قوله في خبر عبد خير (السند الثالث والخامس): كنت أرى باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما حتى رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يمسح ظاهرهما...
ومجئ هذا النص عنه في تلك الفترة من تاريخ الإسلام يؤكد مدعانا من أن النهج الحاكم كان وراء تطبيق الغسل والدفاع عنه بالاستحسان والذوق الشخصي، وأنهم استغلوا مفهوم (أسبغوا الوضوء) و (ويل للأعقاب من النار) وما شابهها مما صدر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) للتدليل على ما يريدون، والمطالع في أبواب الفقه والحديث في كتب أهل السنة والجماعة يرى تصدر أحاديث (ويل للأعقاب من النار) لأبواب غسل الرجلين، في حين أنه لا دلالة لها عليه، وإن الحكم مختص بالعقب