ثانيها: عدم اشتهار هذا الأمر عنه.
ثالثها: الإسناد هو عبد الله بن إدريس عن محمد بن عجلان عن زيد بن أسلم عن عطاء عن ابن عباس، وقد تقدم كلامنا عنه سابقا.
وبهذا فقد اتضح لنا إن عبد الله بن عباس يتحد مع علي وأهل بيته في الكثير من المسائل ويخالف النهج الفقهي الحاكم في مسائل كثيرة أخرى.
المدونون وأخبار الوضوء عن ابن عباس سبق منا القول في انقسام المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وآله إلى نهجين أحدهما: يدعو إلى تدوين الحديث، والآخر لا يرتضي ذلك.
وقد أثبتنا أن المعترضين على الخليفة عمر بن الخطاب كانوا من أهل التدوين والتحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله، وأنهم اعترضوا عليه لمخالفة أقواله مع ما ثبت عندهم في المدونات عن رسول الله صلى الله عليه وآله.
ومن أجل هذه الأمور قال الخليفة لهم (ائتوني بكتبكم) فلما أتوه بها أمر بحرقها، وأمر بحبس الصحابة لإشاعتهم الحديث، لقوله (إنكم أكثرتم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله) وفي آخر (أفشيتم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله) وهذه المضادة من قبل النهجين هي التي جعلت لكل منهما أنصارا، فالبعض ينتصر للخليفة. والآخر لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله، وغالب أصحاب التدوين كانوا من الشق الثاني.
وقد مر عليك عن ابن عباس أنه من نهج التحديث والتدوين ومن المعرضين لاجتهادات الشيخين المعرضة للكتاب والسنة النبوية، فثبت عنه قوله (أراهم سيهلكون، أقول قال رسول الله صلى الله عليه وآله ويقولون قال: أبو بكر وعمر).
وأنت لو تدبرت في كلام عثمان بن عفان لعرفت بأن جل المعارضين له في الوضوء كانوا من أصحاب التدوين والتحديث لقوله (إن ناسا يتحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وآله بأحاديث لا أدري ما هي...). فالخليفة عبر عن معارضيه ب (ناسا) مما يرشدنا إلى أن الامتداد المعارض له كبير وأنه يمثل شريحة اجتماعية مهمة،