الثانية: إن دلالة مرويات عبد الله بن عمرو بن العاص - بعد الجمع بينهما - محتملة الدلالة، وهذا يفهم من قوله المتقدم " فيحتمل أن يكون.... " فلو كانت دلالتها قطعية أو معتبرة لصرح بها كما هو عادته.
الثالثة: إن قوله (انتزع منه البخاري) يشعر - بل يكشف - عن عدم إقرار ابن حجر التام على هذا الانتزاع من البخاري، فإن ابن حجر احتمل في المقام - كما وضحنا لك - ولكن البخاري كان قد انتزع، وواضح جدا لأهل النظر أن الانتزاع والاحتمال اجتهاد يمكن الخطأ فيه.
وبعد هذا نتعجب من ابن حجر كيف جمع بين رواية مصدع المرجوحة وبين رواية يوسف بن ماهك الراجحة - المتفق عليها بما لا سبيل إلى قبوله - ونحن قد أوقفناك سابقا على أن بعض روايات مصدع مخدوشة من جهتين:
1 - من جهة مصدع 2 - من جهة جرير بن عبد الحميد، فكيف يتصور بعدها إمكان معارضة هذا الخبر بما اتفق عليه الشيخان حتى تصل النوبة إلى أن يجمع بينهما، أو أن يصير نتيجة الجمع بينهما هو الغسل؟!!
والذي يهون الخطب: إن ما قاله ابن حجر هو مجرد احتمال، فلو كان كذلك فنحن نحتمل قباله احتمال آخر وهو الذي مر عليك، لأن روايات يوسف بن ماهك صريحة في المسح على القدمين، وروايات مصدع مجملة الدلالة، فيمكن ارجاع روايات مصدع المجملة إلى روايات يوسف بن ماهك التي فيها صراحة في المسح، ويحمل جملة (ويل للأعقاب من النار) على أنه إشارة إلى أمر خارج عن حقيقة الوضوء من قريب، وهذا الجمع هو الذي تقتضيه قواعد الجمع بين المتعارضين، وهو ارجاع المجمل للمبين لا التخبط كما فعله ابن حجر، فاحتمالنا يرجح على احتمال ابن حجر، بل يمكننا القول بأن احتمال ابن حجر هو خطأ واضح، لأنه أرجع الأحاديث المجملة إلى رواية المسح ثم استنتج منها الغسل!! وهذا من أسخف الاستدلال.
أما ما ادعاه من أن (ويل للأعقاب) نهي عن مسح الرجلين، فهي دعوى بلا دليل، بل الدليل عليها لا لها، لأن ابن حزم وابن رشد وغيرهم عدوا هذه الرواية