قال: بلى، وتواعدا أن يفدوا إليه، فلما أتياه، استأذن أبو سعيد فأذن له، فدخل، ثم استأذن لعبد الله فلم يزل به حتى أذن له، فلما دخل أخبر أبو سعيد الحسين بما جرى من قبل ذلك، فقال الحسين: أعلمت يا أبا عبد الله أني أحب أهل الأرض إلى أهل السماء؟
قال: أي ورب الكعبة.
قال: فما حملك على أن تقاتلني وأبي يوم صفين؟ فوالله لأبي كان خيرا مني!
قال: أجل ولكن أبي أقسم علي - وكان الرسول قد أمرني بطاعته - فخرجت، أما والله ما اخترطت سيفا ولا طعنت برمح ولا رميت بسهم؟
فإن قوله (ما اخترطت سيفا و...) يوحي إلى أنه كان يعلم بضلالة الفئة التي هو فيها، فلو عرف حق الحسين وأنه أحب أهل الأرض إلى أهل السماء، وسعى إلى الاعتذار منه، فكيف نراه يلوح للفرزدق بن غالب - في الخبر الآتي، وبعد تلك الواقعة - بأن خروج الحسين جاء للملك والسلطان لقوله، (فوالله ليملكن ولا يجوز السلاح فيه ولا في أصحابه).
وتمام هذه الحكاية في تاريخ الطبري، فقد جاء في (حوادث سنة ستين): عن عوانة بن الحكم عن لبطة بن الفرزدق بن غالب عن أبيه قال: حججت بأمي فأنا أسوق بعيرها حتى دخلت الحرم في أيام الحج، وذلك في سنة 60 إذ لقيت الحسين بن علي خارجا إلى مكة، معه أسيافه وتراسه، فقلت: لمن هذا القطار؟
فقيل: للحسين بن علي، فأتيته، فقلت: بأبي وأمي يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما أعجلك عن الحج.
فقال: لو لم أعجل لأخذت.
قال، ثم سألني: ممن أنت، فقلت له: امرؤ من العراق، قال [الفرزدق بن غالب]:
فوالله ما فتشني عن أكثر من ذلك واكتفى بها مني.
فقال: إخبرني عن الناس خلفك.
قال، فقلت له: القلوب معك والسيوف مع بني أمية، والقضاء بيد الله.
قال، فقال لي: صدقت.
قال: فسألته عن أشياء فأخبرني بها من نذور ومناسك، قال: وإذا هو ثقيل