رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فعل كما فعلت، فما يعني هذا؟ ولماذا أوقف الجملة الأولى " هذا وضوء من لم يحدث " على نفسه ورفع الثانية إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقوله " هكذا رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فعل "؟!
ألا يدلنا هذا على أن جملة " هذا وضوء من لم يحدث " ليس لها دلالة على الناقضية، بل فيها إشارة إلى أمر خارجي يتعلق بإحداث من قبله في الوضوء؟ إذ تراه ينسب الشرب قائما إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) - وهو ليس بأهم من بيان حكم من لم يحدث - ويوقف جملة " من لم يحدث " على نفسه، مع معرفتنا بأن الفرض الأصلي هو بيان أحكام الوضوء، والشرب من قيام أمر متفرع عنه، فعلى أي شئ يدل هذا، ألا يدل على التخالف بين الفهمين؟.
الثالثة: إن رفع الإمام كلامه في قضية الشرب قائما إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوضح لنا وجود فكر سائد عند جمع من الناس، مفاده عدم جواز الشرب قائما، لقوله: (إن ناسا يكرهون أن يشربوا وهم قيام...) فالإمام لما رأى اعتقاد هؤلاء بعدم جواز شرب فضلة الوضوء واعتباره (1) شرعا عاما عندهم بادعاء نهي النبي (صلى الله عليه وآله) عن الشرب واقفا، جاء ليوضح لهم أنه (صلى الله عليه وآله) مع نهيه عن الشرب قائما قد أجاز شرب فضلة الوضوء بالخصوص، وهذا هو التقييد بعد الإطلاق، فالناس بنسبتهم إلى النبي (صلى الله عليه وآله) المنع من شرب فضلة الوضوء، أتوا بأشياء منكرة وأدخلوا في الدين ما ليس منه، وهو الإبداع والإحداث المنهي عنه بعينه، فالإمام أراد بفعله إبعادهم عما تصوروه وأن ذلك من الإبداع والإحداث في الدين، فلا يجوز لهم جعله شريعة يتعبدون بها.
وعليه فيمكن أن يكون الإمام علي قد أراد بفعله أن يوضح أمرين قد خفيا على بعض المسلمين:
الأول: إن غسل القدمين ليس بشرعي وأنه وضوء من أحدث في الدين، بخلاف المسح الذي هو وضوء من لم يحدث.
الثاني: جواز شرب فضلة الوضوء وهو قائم، ومن يعتقد بعدم جوازه فقد أبدع