الأولى: إن المورد هو بيان صفة وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قبل علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فلا معنى لإجماله في هذا المورد، وكذا الحال بالنسبة إلى الراوي، فلو كان قد اطمأن بأن عليا غسل رجليه لحكى الوضوء عنه كما حكى عن عثمان وغيره من أنه مسح رأسه ثم غسل رجليه، وحينما لم يوضح الحكم فيهما بل تركهما مجملين عرفنا أن حكمه هو المسح، وهو يخالف حكم اليدين والوجه بقرينة فصلهما عما قبلهما.
الثانية: إن اضطراب الكرماني في كلامه يعرفنا بأن الفصل مما يؤكد المسح ولا معنى لتأويله، والتردد بمثل قوله: (.. أو كان لابس الخف فمسحه)!!
الثالثة: لو قبلنا جدلا أن قراءة النصب تدل على غسل الرجلين، فإننا نقول أن من غير المعقول تصور الإجمال في السنة وبيان مراد الرسول، إذ اللازم حكاية ما يصدر عنه واضحا صريحا لا مبهما ومجملا، وإلا لما كانت للإجابة فائدة.
الرابعة: إن مما يخطئ نقل البخاري (وذكر رأسه ورجليه) هو ما ورد في المتون المنقولة بالأسانيد الأخرى عن النزال، وخصوصا السند الأول منها، ففيه تصريح بأن حكم الرجلين هو المسح لا غير، وهذا دليل قوي لإثبات مدعانا وبطلان رأي الكرماني وغيره.
الخامسة: بما أن الحكام قد استقبحوا المسح، فلا يستبعد أن يكون هذا النص من البخاري وما جاء في النصوص الأخرى عن غيره من الإضافة والتغيير قد جاء لإرضاء الحاكم، أو أنهم استقبحوه لكراهته له!!
ثم إن الأدهى من ذلك هو أن البخاري لم يتعرض إلى جملة (هذا وضوء من لم يحدث) الثابتة في نهاية الحديث، والتي تقتضي مسح القدمين على أي نحو فسرت.
قال ابن حجر وهو في معرض الحديث على السند الثاني:... وقد ثبت في آخر الحديث قول علي: هذا وضوء من لم يحدث.
وقال القسطلاني في إرشاد الساري: وقد ثبت في آخر الحديث قول علي رضي الله عنه: وهذا وضوء من لم يحدث.
وقال العيني في عمدة القاري: وقد ثبت في آخر الحديث قول علي رضي الله عنه:
هذا وضوء من لم يحدث. وفي أحكام القرآن قريب منه فراجع.
والذي يشدد عجبنا أن الطحاوي أخرج عن شعبة كالذي أخرجه النسائي وفي