فمن هنا يمتنع أن يفسر الحدث الوارد في قول على " هذا وضوء من لم يحدث " بما قالوه لأن تفسيرهم لكلام الإمام يجعلنا أن نقول بوجود وضوءين أحدهما لمحدث والآخر لغيره، وهذا لم يثبت.
هذا وإن فكرة التقسيم هذه ظهرت متأخرا ولم ترد على لسان الصحابة - لا صغارهم ولا كبارهم - ولا حتى على لسان التابعين، بعكس موقف النفي والتخطئة والذي ورد على لسان الصحابة والتابعين، وهذا يكشف على أن الوضوء النبوي واحد - مع الحدث وبدونه -، وهو الأخر يكشف على أن الذاهبين إلى القول السابق هم الذين اعتدوا على الأحكام بالزيادة فيه وهم الذين رماهم أبو موسى الأشعري بالجهل، وابن عباس بأنه من صنع الشيطان.
وهل تتصور خفاء مثل هذا الأمر على صحابه أمثال علي بن أبي طالب وهو باب علم رسول الله أو خفائه على ابن عباس وهو حبر الأمة أو أبي موسى الأشعري وأنس ابن مالك أو على ابن المسيب و....
فاستبان مما تقدم إن قول على ابن أبي طالب (هذا وضوء من لم يحدث) لا يفيد ما يدعونه بل هو صريح بنظرنا في الاحداث في الدين وذلك بعد ابطالنا دلالتها على الناقضية، وإليك كلام ابن عمر كدليل آخر، فقد أخرج الطبري بسنده عن أبي غطيف قال: صليت مع ابن عمر الظهر فأتى مجلسا في دار. فجلس وجلست معه فلما نودي بالعصر دعا لوضوء فتوضأ ثم خرج إلى الصلاة ثم رجع إلى مجلسه فلما نودي بالمغرب دعا بوضوء فتوضأ، فقلت: أسنة، ما أراك تصنع؟
قال [يعني ابن عمر]: لا وإن كان وضوئي لصلاة الصبح كاف للصلوات كلها ما لم أحدث (1).
فإذا لم يكن هذا الوضوء سنة فهل تصدق أن يأتي صحابي كعلي ويعلم الناس ما هو ليس بسنة؟!
والذي يظهر لنا من مجموع الروايات أن بذرة الخلاف وارتكاز أمثال هذا الفكرة إنما كان موجودا ومنذ عهد رسول الله عند بعض الصحابة فقد أخرج الطبري بسنده