محمد جعفر بن شعيب حاجين فعرجا إلى ملمين وعاجا على مسلمين فحين عرفتهما وقبل أن أرد السلام عليهما مددت اليد إليهما كما مدها حسان بن ثابت إلى رسول جبلة بن الأيهم ثقة مني بصلته وتشوقا إلى تكرمته واعتيادا لاحسانه وإلفا لموارد إنعامه وتيقنا أن خطوري بباله مقرون بالنصيب من ماله وأن ذكراه لي مشفوعة بجدواه وقمت عند ذلك قائما وقبلت الأرض ساجدا وكررت الدعاء والثناء مجتهدا وسألت الله تعالى ان يطيل له البقاء كطول يده بالعطاء ويمد له في العمر كامتداد ظله على الحر وأن يحرس هذا البدد القليل العدد من مشيخة الكتاب ومنتحلي الآداب ما كنفهم به من ذراه وأفاء عليهم من نداه وأسامهم فيه من مراتعه وأعذبه لهم من شرائعه التي هم محلئون إلا عنها ومحرومون إلا منها وله رسائل وقصائد كثيرة إليه وقد أودعت هذا الكتاب شرطة منها وبلغني ان الصاحب كان يتمنى انحيازه إلى جنبته وقدومه إلى حضرته ويضمن له الرغائب على ذلك إما تشوقا أو تفوقا وكان أبو إسحاق يحتمل ثقل الخلة وسوء اثر العطلة ولا يتواضع للاتصال بجملة الصاحب بعد كونه من نظرائه وتحليه بالرياسة في أيامه وأخبرني ثقات منهم أبو القاسم علي بن محمد الكرخي وكان شديد الاختصاص بالصاحب انه كثيرا ما كان يقول كتاب الدنيا وبلغاء العصر أربعة الأستاذ ابن العميد وأبو القاسم عبد العزيز بن يوسف وأبو إسحاق الصابي ولو شئت لذكرت الرابع يعني نفسه وأما الترجيح بين هذين الصدرين اعني الصاحب والصابي في الكتابة فقد خاض فيه الخائضون وأخب فيه المخبون ومن أشفي ما سمعته في ذلك ان الصاحب كان يكتب كما يريد وأبو إسحاق كان يكتب كما يؤمر وبين الحالين بون بعيد وكيف جرى الامر فهما هما وقد وقف فلك البلاغة بعدهما
(٢٩٢)