كيفما كان من السمك ولحم الخنزير ولحم الجمل وفراخ الحمام والجراد فقال له المهلبي لا تبرد وكل معنا من هذه الباقلاء فقال أيها الوزير لا أريد أن أعصي الله في مأكول فاستحسن ذلك منه وكان أبو إسحاق في أيام شبابه واقتباله أحسن حالا وأرخى بالا منه في أيام استكماله وزمن اكتهاله وأورى زندا وأسعد جدا منه حين مسه الكبر واخذ منه الهرم وفي ذلك يقول [من الكامل]:
(عجبا لحظي إذ أراه مصالحي * عصر الشباب وفي المشيب مغاضبي) (أمن الغواني كان حتى ملني * شيخا وكان على صباي مصاحبي) (أمع التضعضع ملني متجنبا * ومع الترعرع كان غير مجانبي) (يا ليت صبوته إلي تأخرت * حتى تكون ذخيرة لعواقبي) من قصيدة في فنها فريدة كتب بها إلى الصاحب يشكو فيها بثه وحزنه ويستمطر سحابه بعد أن كان يخاطبه بالكاف ولا يرفعه عن رتبة الأكفاء وكان المهلبي لا يرى إلا به الدنيا ويحن إلى براعته وتقدم قدمه ويصطنعه لنفسه ويستدعيه في أوقات انسه فلما توفي المهلبي وأبو إسحاق يلي ديوان الرسائل والخلافة مع ديوان الوزارة اعتقل في جملة عمال المهلبي فمن قوله في ذلك الاعتقال من قصيدة [من الكامل]:
(يا أيها الرؤساء دعوة خادم * أوفت رسائله على التعديد) (أيجوز في حكم المروءة عندكم * حسبي وطول تهددي ووعيدي) (قلدت ديوان الرسائل فانظروا * أعدلت في لفظي عن التسديد) (أعلي رفع حسام ما أنشأته * فأقيم فيه أدلتي وشهودي)