فقيه جامع لعلوم القرآن، ولا يدرك حقيقة الاسلام، وكم من رجل لا يعلم اجتهادا مسألة من المسائل الشرعية، ولكن الله فتح قلبه لادراك لزوم مثل تلك الحكومة في الأديان، وإلا فيصبح الديانة مغفولة، وتصير من الأمور التشريفاتية، كما نجد ذلك في بلاط روحانيي المسيح وفي كليسا وغيره، وما هذا إلا لايجاد الخلل والفصل بين الدين والدنيا، ولكن كما أن لفظتي الدين والدنيا متقاربتان جدا، كذلك هما في هذه النشأة، قريبان متشابكان متداخلان لا ينفك أحدهما عن الآخر.
وهذا لا ينافي ضدية الاسلام مع مظاهر الدنيا، لما رأينا أن رئيس هذه الحكومة، وهو الرسول الأعظم والأمير المعظم، كانا يرأسان ويتصديان لأمر السياسة في البلاد والحكومة على العباد، ولكنهما معرضان عن الدنيا أشد الاعراض، وكانا في غاية الانزجار ونهاية التنفر عن شؤونها والاقبال إليها، فإذا كان رئيس الحكومة على مثالهما، يتمكن من أن يتقدم في أمر المملكة وبسطها بمدة قصيرة وعدة يسيرة، وإنما كانوا في صدر الاسلام بسطوا الديانة في كافة أقطار العالم، حتى وصلت صولتهم إلى مضيق جبل طارق، فأصبح الاسلام في القارات الثلاث المعروفة في ذلك العصر: القارة الأوروبية والإفريقية وآسيا، فهل حدث هذا إلا لما كان رئيس الاسلام والحكومة يعيش على الاقتار والتقتير، ولا يعيش كعيش المسرفين والمترفين والمبذرين وكأهل الدنيا والشهوات، ولا يمضي عليه ساعة إلا وهو فيها يهتم بأمور المسلمين والإسلام، فإذا