والضرورة وحتى الذين شاهدوا سعد بن عبادة ومن حوله لم ينضموا إليهم " الرجلان الصالحان " اللذان شهدا بدرا وهما عاصم بن عدي وعويم بن ساعدة برواية للطبري، وبرواية أخرى عويم بن ساعدة ومعن بن عدي (1)، فلو كان اجتماعا للأنصار لما تركاه، ثم إن أسلم " التي أقبلت بجماعتها حتى تضايق بهم السلك " لم تكن موجودة ويبدو أن عمر كان يتوقع قدومها وموقن من تأييدها بدليل قوله: " ما هو إلا أن رأيت أسلم فأيقنت النصر "، هؤلاء جاءوا بعد المبايعة مما يدل على أن موضوع اختيار الخليفة من بعد النبي ولد بقدوم المهاجرين الثلاثة وفرضه المهاجرون الثلاثة.
لأن الذي جاء بخبر اجتماع الأنصار ما زال مجهولا للآن ولا يعلم به أحد، ولأن الذي فتح المناظرة بعد قدوم المهاجرين الثلاثة ما زال مجهولا، فعندما يدخل هؤلاء المهاجرون لا بد أن يطرحوا السلام ولا بد من تكلم بعد طرح السلام. فمن هو هذا المتكلم الذي فتح المناظرة؟ إنه تماما كالذي جاء بخبر اجتماع الأنصار وما زال مجهولا، مع أن الذين لهم أدوار أقل من دور ناقل خبر الاجتماع ومن دور فتح باب المناظرة عرفوا. كل هذا يؤكد أن هنالك مقاطع من الحقيقة مقصوصة، وجوانب من الروايات مبتورة بالرغم من تعدد الروايات وتعدد الرواة. والحقيقة أن قصة اجتماع السقيفة صيغت وأرخت تحت إشراف مؤيدي الفاروق والصديق، وتم تناول القصة وطرحها بالطريقة التي لا تثير حفيظة الحكام ولا تستفز المؤيدين والتي تصور هؤلاء الثلاثة كرواد وكأبطال لقصة تاريخية، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال تعدد الروايات ومضامين هذه الروايات وتناقضها مع بعضها أحيانا فما قاله " الصالحان البدريان " ورد مضمونه بروايتين متناقضتين مثلا (2)، وسعد بن عبادة يصور في رواية كطالب للخلافة ومنافس عنيد للثلاثة يثير غضب الجموع وتوشك أن تقتله بل ويقال:
اقتلوه قتله الله (3)، ويصور في رواية ثانية كرجل أقام الفاروق عليه الحجة فسكن واقتنع وبايع (4)، ولا ترى تمردا من الحباب أو من غيره، لأن الأمور استقرت في