وبهذه الحالة فلا داعي لوجود قريش لأنها ممثلة بهؤلاء الثالثة أو على الأقل ممثلة بعمر المؤمن إيمانا تاما بهذه المقولة، والغاية أيضا أن يجري تنصيب الخليفة في غياب العترة الطاهرة كلها وخاصة عميدها علي بن أبي طالب، لأنه إن حضرت العترة الطاهرة أو حضر العميد تتغير حتما النتائج ويقيم الحجة عليهم ويقنع الأنصار. فإذا غابت العترة الطاهرة وغاب عميدها، فمن المؤكد أن الجو سيصفو لهم ويتمكنوا من تعيين أحدهم خليفة، فيبايعه مؤيدوهم من الأنصار، وإذا بايع أناس من الأوس فبالضرورة ستبايع الخزرج حتى تتقاسم المجموعتان هذا الشرف. وعندما يتم ذلك تواجه العترة الطاهرة ويواجه عميدها بمرجع وهو بيعة الأنصار، وإذا بايعت الأنصار فلن ترجع عن بيعتها. وأي مواجهة من العميد أو من العترة لن تكون بين علي وأبي بكر أو بين علي وعمر، أو بين علي وأبي عبيدة كأشخاص، إنما تكون مواجهة بين خليفة حاكم وأحد رعاياه أو بين أحد نائبي الخليفة وأحد الرعايا المحكومين للدولة، وهي مواجهة معروفة النتائج. فبمواجهة منطقية متكافئة لا قدرة للفاروق على الولي، لأن الولي باب الحكمة اللدنية، وبمواجهة متكافئة بين الفاروق والولي فإن الولي سيحسمها على مستوى القوة، لأن أفعال الفاروق بالقتال ليست كأفعال الولي، ففي معركة الخندق مثلا نادى عمرو بن ود حتى بح صوته والصحابة ومنهم الفاروق يسمعون ولم يقوى على التصدي إلا الولي. لكن عندما يكون الفاروق نائبا للخليفة فلا داعي ليواجه الولي بنفسه إنما يرسل له سرية مجتمعة وتجر الولي إلى الفاروق جرا كما حدث فعلا.
والوقت الذي اختاره الثلاثة لتنصيب الخليفة ملائم جدا لهدفهم، وهو وقت تجهيز النبي والإعداد لمواراته في ضريحه، وهذا هو الوقت المثالي لتنصيب الخليفة في غياب العترة الطاهرة وغياب عميدها، فهم منصرفون بكليتهم إلى مصابهم وذاهلون حتى عن أنفسهم بهذه الفاجعة الأليمة، بل إن المسلمين أنفسهم في حالة ذهول وبالتالي هذا هو الوقت المناسب لتنصيب خليفة بالصورة التي تتمناها بطون قريش.
ثم إن اختيار الأنصار بالذات للترجيح اختيار موفق ودقيق، فغاية بطون قريش أن لا يجمع الهاشميون الخلافة مع النبوة، وهذه البطون لا تحفظ لها على أي شخص