وكان رأسه في حجر ابنه عبد الله فقال لابنه: ضع خدي بالأرض، فلم يفعل فلحظه وقال: ضع خدي بالأرض لا أم لك الويل لعمر ولأم عمر إن لم يغفر الله لعمر (1).
وبالرغم من شدة وجع أبي بكر فقد أوصى وكتب ما أراد، وبالرغم من شدة وجع عمر فقد أوصى وكتب ما أراد ورتب أمر الشورى واطمأن أن عثمان سيكون الخليفة، واطمأن أنه لا يسلط هاشمي على رقاب الناس حتى ولو كان ذا قوة وذا أمانة. ونفذت بدقة وصية الاثنين وسمح لهما بقولها وسمح لهما بالتوجيه بالرغم من اشتداد الوجع بكل واحد منهما. فعندما كتب كل واحد منهما وصيته كان ما زال رسميا على رأس عمله (خليفة للمسلمين) ومن حقه أن يمارس عمله ما دام حيا أو لم يعزل.
تلك حقيقة مسلم بها بالإجماع وقولا واحدا لا خلاف عليه. فكيف يسمح لأبي بكر ولعمر بالتوصية وكتابة ما أرادا، مع أن المرض قد اشتد بكل واحد منهما أكثر من اشتداده برسول الله ويحال بين الرسول (ص) وبين كتابة ما أراد.
ألا يحق لمحمد (صلى الله عليه وآله) ما يحق لأبي بكر وعمر (رضي الله عنهما)؟ هذا مع الافتراض أن محمدا على قدم المساواة مع أبي بكر وعمر، وهذا افتراض مرفوض شكلا وموضوعا، لأن محمدا نبي مرسل من الله وإمام بينما أبو بكر وعمر من الأتباع، ومحمد يوحى إليه، وقد أكد وقال أكثر من مرة أن أكثر ما كان يأتيه الوحي كان كان يأتيه وهو مريض. (2) والله يقول: * (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) * ويقول: * (وما صاحبكم بمجنون) * * (ما ضل صاحبكم وما غوى) * * (إن هو إلا وحي يوحى) * فكيف يتحول بطرفة عين من كانت هذه صفاته وملكاته إلى رجل حاشا له أن يهجر!!؟ ولا يؤمن على كتابة وصية!!.
ومع أن هذه حقائق دامغة لا قوة في الأرض تستطيع أن تنكرها أو تدافع عنها،