ولكن مثل النبي لا ينحني أمام العاصفة، ولا يقعده شئ عن متابعة إحساسه العميق بالرأفة والرحمة لهذه الأمة، وبالرغم من كمال الدين وتمام النعمة الإلهية والبيان الإلهي الشامل لكل شئ تحتاجه الأمة بما فيه كيف يتبول وكيف يتغوط أفرادها، إلا أنه أراد أن يلخص الموقف لأمته حتى تهتدي وحتى لا تضل، وحتى تخرج بسلام من المفاجآت التي تتربص بها وتنتظر موت النبي لتفتح أشداقها فتعكر صفو الإسلام وتعيق حركته وتغير مساره.
المواجهة الصاخبة النبي على فراش المرض، وبيته المبارك يغص بأكابر الصحابة، وقد أصر النبي على تلخيص الموقف والتذكير بالخط المستقبلي لمسيرة الإسلام فقال النبي: قربوا أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا. ما هو الخطأ بهذا العرض النبوي؟ من يرفض التأمين ضد الضلالة؟ ولماذا؟ ولمصلحة من؟ ثم إن من حق أي مسلم أن يوصي، ومن حق أي مسلم أن يقول ما يشاء قبل موته، والذين يسمعون قوله أحرار في ما بعد بإعمال هذا القول أو إبطاله، هذا إذا افترضنا أن محمدا مجرد مسلم عادي وليس نبيا وقائدا للأمة.
فتصدى الفاروق عمر بن الخطاب ووجه كلامه للحضور وقال: " إن النبي قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله " فاختلف أهل البيت فاختصموا، منهم من يقول قربوا يكتب لكم رسول الله كتابا لا تضلوا بعده أبدا، ومنهم من يقول ما قاله عمر. فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي قال لهم رسول الله: قوموا عني (1).
وفي رواية ثانية أن الرسول عندما قال: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا تنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا هجر رسول الله. قال النبي: