القوم. فهو مستعد للتراجع حيثما ظهر له مبرر ذلك. وأي مبرر أعظم من انكسار القيادة العليا للجيش. فعبيد الله بن عباس الذي خان الإمام الحسن (ع)، كان يملك قابلية الرشوة والإغراء. فحرب مع الحسن، قد تطول، وأفضل له من ذلك دنيا قريبة واستكانة مضمونة. فراح يدبر عملية خيانة داخل الجيش، فاستجاب له قطيع من الرعاع فانطلقوا إلى معاوية، ويذكر اليعقوبي، إن عبيد الله بن عباس تسلل في غلس الليل ومعه ثمانية آلاف من الجيش، وكانوا كلهم من أهل الأطماع، فترك هذا الحدث أثرا سلبيا في باقي الجيش، وكل عارف بقضايا الحروب، وكل عالم بطبيعة الجيوش، يدرك مدى ما يمكن أن تخلفه عملية انشقاق مثل تلك، أو خيانة قيادة عليا، خصوصا أن القيادة العليا لم تكن اعتباطية، فعبيد الله وال على اليمن، وواحد من أتباع الإمام علي (ع) وقد قتل بسر بن أرطأة ولديه. فتراجع هكذا رجال جدير أن يترك أثره على جيش منهار ومختلف الطباع والأهواء، فانتشر الاضطراب في هذا الجيش وكادت عراه أن تنكسر، لولا أن بادر إلى إحكامها، واحد من خلص شيعة الإمام الحسن، وهو قيس بن سعد، ابن واحد من أكبر رموز المعارضة في (السقيفة).
فقد عرف أن سبب اضطراب الجيش، كان بسبب ما تركته خيانة عبيد الله بن عباس، فقام خطيبا فيهم، يكشف لهم عن حقيقة الأوصاف التي يعرفونها عنه، حيث تبين أمره وأميط اللثام عن حقيقته، فقال:
(إن هذا وأباه وأخاه لم يأتوا بيوم خير قط، إن أباه عم رسول الله (ص) خرج يقاتله ببدر فأسره أبو اليسر كعب بن عمرو الأنصاري فآتى به رسول الله صلى الله عليه وآله فأخذ فداءه، فقسمه بين المسلمين وإن أخاه ولاه علي على البصرة فسرق ماله ومال المسلمين فاشترى به الجواري، وزعم أن ذلك له حلال، وأن هذا ولاه علي على اليمن فهرب من بسر بن أبي أرطأة، وترك ولده حتى قتلوا، وصنع الآن هذا الذي صنع (211). وسرعان ما أعادت هذه الكلمة، التوازن إلى الجيش، وأدركوا أن الخيانة كان طبيعية من عبيد الله بن العباس، وما برحوا أن