الغث والسمين، وينال من الأخضر واليابس على حد سواء، ويضرب المصلي إذا صلى خاشعا بتهمة النفاق، ويضرب المخطئ ضربا مبرحا، لا أن يحل مشكلة الخطأ من الأساس. واشتهر عمر ابن الخطاب، بالدرة، وهي آلته في ضرب الناس، والإنزال من معنوياتهم. ولم يسلم من درته كبار الصحابة. حتى وصل به الأمر أن يقول: أصبحت أضرب بالدرة كل الناس ليس فوقي إلا الله) (72) وعدها (العقاد) من عبقرياته. وتمثل هذا القمع منذ البداية، وقد هاب أمره الناس لحدة طبعه، وتشنج مزاجه. ولكن أبا بكر كما سبق ذكره، كان يريد دفع الثمن لعمر. على الرغم من أنه تظاهر بالزهد فيها، وود لو كان في أمر المسلمين خلوا، وهو صاحب (أقيلوني فلست بخيركم) ونتسأل من خلال التاريخ، كيف يعترف أبو بكر بأنه ليس بخير من الناس، ينازع فيها عليا (ع) ويقول لطلحة بن عبيد الله: أبالله تخوفني! إذا لقيت ربي فسألني، قلت: استخلفت عليهم خير أهلك، فقال طلحة: أعمر خير الناس يا خليفة رسول الله! فاشتد غضبه، وقال: إي والله، هو خيرهم وأنت شرهم (73).
لقد كان تنصيبا بالاستبداد، الذي لا يسمح أن يقال أو يسأل، هل (عمر هو خير الناس) فعلا!؟ وهذا التناقض في التظاهر بالزهد في الخلافة، والاستبداد بها في النهاية، وتوريثها لعمر بن الخطاب هو ما أشار إليه الإمام علي (ع) في خطبته الشهيرة في النهج: (فيا عجبا! بينما هو يستقبلها في حياته، إذ عقدها لآخر بعد وفاته! لشد ما تشطرا ضرعيها! فصيرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها، ويخشن مسها، ويكثر العثار فيها، والاعتذار منها، فصاحبها كراكب الصعبة، إن أشنق لها خرم، وإن أسلس لها تقحم، فمني الناس لعمر الله بضبط وشماسي، وتلون واعتراض فصبرت على طول المدة، وشدة المحنة) والواقع هو ما اعترف به ابن الحديد المعتزلي في شرحه، مع شئ من التزييف: