(إنما قال: أقيلوني، ليثور (أي ليبحث) ما في نفوس (قلوب) الناس من بيعته، ويخبر ما عندهم من ولايته، فيعلم مريدهم وكارههم، ومحبهم ومبغضهم، فلما رأى النفوس إليه ساكنة، والقلوب لبيعته مذعنة استمر على إمارته، وحكم حكم الخلفاء في رعيته، ولم يكن منكرا منه أن يعهد إلى من استصلحه لخلافته) (74) والواقع إن ثمة، ثغرة لم يكشف عنها بن أبي الحديد، هو أن سكوت الناس لا يعني (سكونهم) ورب حكومات، تحركت جنودها، للجم الكلمة من الناس، تمهيدا لخطبة يلقيها الحاكم، فيظهرون على حال (السكينة) بينما هم مسلوبو (الكلام)!.
لقد حاول البعض أن يقيس على منهج (إبليس) في القياس بين موقف أبي بكر (حين قال أقيلوني فلست بخيركم) وعلي بن أبي طالب (ع) يوم قال للناس بعد أن بايعوه: (دعوني والتمسوا غيري، فأنا لكم وزيرا خير مني لكم أميرا) والإمام علي (ع) لم يقل إنه ليس بخير من الناس، ولم يقل أنه واجد في نفسه، لإصراره على حق قال إنه حقه، وما تلزمه كلمة حق من معنى (الشرعية) وهو رفض الخلافة بعد أن أتت إليه (فاسدة) وقد وصل الخراب إلى آخر مواقع المجتمع الإسلامي. قالها بعد أن لعب بالخلافة من ليس لها أهل. ولكنه لما وليها عهد بها إلى ابنه الحسن (ع) لأنه جدير بها. ولأنه فعلها استجابة للنص لا للرأي. ولو لم تكن المسألة نصا. لكان علي (ع) أجدر أدبا، أن يبعد عنها ابنه، ولو كانت المسألة، مسألة، تظاهر بالعدل والزهد، لكان علي (ع) أحق بهذا الزهد.
لقد أمسك أبو بكر وعمر الخلافة، ومارسها بارتياب وتعثر بسبب عدم جدارتهما. وفي ذلك يقول الإمام علي (ع): (ويكثر العثار فيها والاعتذار.
وذلك بسبب الاعتذار التي رافقت سياسة الخليفتين، وبسبب أخطائهما القتالية، وعثارهما في سياستهما. وكان عمر بن الخطاب متحمسا للخلافة بعد أبي بكر، فلما كتب العهد أمر به أن يقرأ على الناس، فجمعهم وأرسل الكتاب مع مولى له