منه، كيف يهدأ ويسلس ويحضر له الضمير والعقل لما جاء أبو بكر وقال ما قال؟!.
هذا لغز تاريخي يجب إخضاعه للحفر المنهجي، وإزالة الملابسات التبريرية عنه، لإظهار وجه الحقيقة من خلاله، فلا عمر بن الخطاب كان يجهل (وفاة) الرسول صلى الله عليه وآله كيف ذلك وهو من أتهمه (بالهجران) واعترف بأنه افتقد الوعي، وحسابنا كتاب الله! ولم يكن عمر يجهل الآية التي تلاها عليه أبو بكر:
(وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل. أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم. فلقد كان يعرفها وهو الذي سمع الرسول صلى الله عليه وآله ينعى نفسه إليهم.
وإنما أمر آخر كان يشغل بال عمر. هو أن يصرف الناس عن التفكير فيما بعد (الوفاة). حتى يربح الوقت لكي يأتي أبو بكر، وتتم العملية. وما أن جاء أبو بكر حتى سمعوا بأمر الأنصار واجتماعهم في السقيفة، فالتحقوا بهم مسرعين، وانتهى محمد صلى الله عليه وآله ولم يبقى إلا أمر السقيفة. حيث يدخلها عمر بن الخطاب بكل قوة وتحضير من دون أن تتخلله رقة، من أثر وفاة الرسول صلى الله عليه وآله.
دخل عمر السقيفة ليطرح رأيه، ويلغي رأي الجميع. متذرعا بأن أبا بكر هو الوحيد الذي يصلح للأمة. وكأن محمد صلى الله عليه وآله لم يتمكن خلال هذه السنين الطوال. أن يصنع من هذا أصلح للأمة، سوى أبي بكر. وبدأ أبو بكر مضطربا، يريد الخلافة ولا يريدها!.
وكان عمر بن الخطاب، يتشدد في تشجيع أبي بكر. لقد تركوا الرسول صلى الله عليه وآله طريح فراشه. وانشغلوا بأمر الخلافة. يقول ابن كثير:
(توفي صلى الله عليه وآله يوم الاثنين وذلك ضحى فاشتغل الناس ببيعة أبي بكر الصديق في سقيفة بني ساعدة ثم في المسجد البيعة العامة في بقية يوم الاثنين وصبيحة الثلاثاء كما تقدم ذلك بطوله ثم أخذوا في غسل رسول صلى الله عليه وآله وتكفينه والصلاة عليه صلى الله عليه وآله تسليما بقية يوم الثلاثاء ودفنوه ليلة الأربعاء (45).