حرق ما دونه الصحابة من الأحاديث. فقد خطب الناس يوما قائلا: أيها الناس، إنه قد بلغني أنه قد ظهرت في أيديكم كتب فأحبها إلى الله أعدلها وأقومها فلا يبقين أحد عنده كتابا إلا أتاني به فأرى فيه رأيي، فظنوا أنه يريد النظر فيها ليقومها على أمر لا يكون فيه اختلاف، فأتوه بكتبهم فأحرقها بالنار (1) كما أخرج ابن عبد البر في كتاب جامع بيان العلم وفضله، أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنة ثم بدا له أن لا يكتبها ثم كتب إلى الأمصار من كان عنده شئ فليمحه.
ولما أعيته الحيلة ورغم تهديده ووعيده ومنعه وتحريمه وحرقه كتب الأحاديث بقي بعض من الصحابة يحدثون بما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما يلتقون في أسفارهم خارج المدينة بالناس اللذين يسألونهم عن أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى عمر أن يحبس هؤلاء النفر في المدينة ويضرب عليهم حصارا وإقامة جبرية. فقد روى ابن إسحاق عن بعد الرحمن بن عوف. قال: والله ما مات عمر حتى بعث إلى أصحاب رسول الله فجمعهم من الآفاق: عبد الله بن حذيفة وأبي الدرداء وأبي ذر الغفاري وعقبة بن عامر. فقال: ما هذه الأحاديث التي قد أفشيتم عن رسول الله في الآفاق، قالوا: تنهانا؟ قال: لا أقيموا عندي، لا والله لا تفارقوني ما عشت (2).
ثم جاء بعده ثالث الخلفاء عثمان الذي اتبع نفس الطريق وسلك ما سطره له صاحباه من قبل. فصعد على المنبر وأعلن صراحة قوله:
لا يحل لأحد أن يروي حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم أسمع به في عهد أبي بكر وعمر (3).