انحرافهم تجاوز حدود السلوك الشخصي إلى تحريف الكتاب الذي ورثوه عن الرسول. وهذا يدل على أن الكتاب وحده لا يكفي لضبط حركة الأمة من بعد الرسول فلا بد أن تكون إلى جواره قوة تنفيذية مميزة ترجع إليها الأمة حال الخلاف والانحراف؟..
هذه القوة هي الفئة المصطفاة من الأمة التي ترث الكتاب من بعد الرسول كما هو حال الأمم السابقة..
وهي ما يتضح من خلال قوله تعالى: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) (فاطر: 32) فلو كان الكتاب وحده يكفي ما أورثه سبحانه للفئة المصطفاة التي هي القدوة من بعد الرسول.
والقرآن لم يحسم الخلاف والردة التي وقعت بعد وفاة الرسول مباشرة وإنما حسم هذا الأمر بواسطة السيف. فالقرآن حاله كحال الكتب السابقة له لا بد وأن تنحرف عنه الأمة. وهو لم يحكم في الخلافات التي وقعت حول مسألة الخلافة.
كما لم يحكم في مواجهة القبائل التي اعتبرت مرتدة وقوتلت على هذا الأساس. ولم يحكم في قضايا أخرى كثيرة (7)..
وبالإضافة إلى الخلاف الذي وقع حول جمعه بين الصحابة. يمكن طرح السؤال التالي:
أن القرآن الذي تركه الرسول لم يحل دون وقوع الردة والخلاف. فهل هذه الردة وقعت بسبب الانحراف عن القرآن أم الانحراف عن القدوة؟..
أن التاريخ يجيب مؤكدا أن السبب المباشر لهذه الردة كان بسبب الانحراف عن القدوة وليس بسبب القرآن..
فالذين منعوا الزكاة كانوا مسلمين..
والرافضون بيعة أبي بكر كانوا مسلمين (8)..
فهم كانوا مسلمين ملتزمين بالقرآن مؤمنين به إلا أن هذا الإيمان وهذا الالتزام لم يحل دون انحرافهم..
من هنا بدأت رحلة البحث عن هذه القدوة المتميزة. وهذه الرحلة كان