وما عدا ذلك فليس بالممكن، وليس بالمعقول، ليس بالممكن أن يكره له التقدم والكرامة، وليس بالممكن أن يحبها له، وينسى في سبيل هذا الحب حكمته الصالحة للدين والخلافة.
وإذا كان قد رأى الحكمة في استخلافه، فليس بالممكن أن يرى ذلك، ثم لا يجهر به في مرض الوفاة وبعد حجة الوداع.
وإذا كان قد جهر به، فليس بالممكن أن يتألب أصحابه على كتمان وصيته، وعصيان أمره، إنهم لا يريدون ذلك مخلصين، وإنهم إن أرادوه لا يستطيعونه بين جماعة المسلمين، وإنهم إن استطاعوه لا يخفى شأنه ببرهان، ولو بعد حين.
فكل أولئك ليس بالممكن، وليس بالمعقول، وإنما الممكن والمعقول هو الذي كان، وهو الحب والإيثار، والتمهيد لأوانه، حتى يقبله المسلمون، ويتهيأ له الزمان (1).
هذا فضلا عن أن النبي صلى الله عليه وسلم، إنما كان يخاف على ذريته وأهله (2)، فإنه عليه الصلاة والسلام، قد وتر كثيرا من الناس، وعلم أنه - إن مات - وترك ابنته وولدها سوقة، ورعية تحت أيدي الولاة، كانوا بعرض خطر عظيم، فما زال يقرر لابن عمه - أي الإمام علي - قاعدة الأمر بعده، حفظا لدمه ودماء أهل بيته، فإنهم إذا كانوا ولاة الأمر، كانت دماؤهم أقرب إلى الصيانة والعصمة، مما إذا كانوا سوقة تحت يد وال من غيرهم، فلم يساعده القضاء والقدر، وكان من الأمر ما كان، ثم أفضى أمر ذريته من بعده إلى ما قد علمنا (3).