الناس، لا تشكو عليا، فوالله إنه لجيش في ذات الله).
ويلوح لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يحب الإمام علي، وكان يحببه إلى الناس، ليمهد له سبيل الخلافة في وقت من الأوقات، لكن على أن يختاره الناس طواعية وحبا، لا أن يكون اختياره حقا من حقوق العصبية الهاشمية، فإنه - عليه الصلاة والسلام - قد اتقى هذه العصبية، جهد اتقائه، ولم يحذر خطرا على الدين، أشد من حذره أن يحسبه الناس سبيلا إلى الملك والدولة في بني هاشم - أو في غيرهم - وقد حرم صلى الله عليه وسلم، نفسه من حظوظ الدنيا، وأقصى معظم بني هاشم عن الولاية والعمالة، لينفي هذه الظنة، ويدع الحكم للناس، يختارون من يرضونه له، بالرأي والمشيئة.
فالتزم في التمهيد للإمام علي وسائل ملموحة، لا تتعدى التدريب والكفالة، إلى التقديم والوكالة، أرسله في سرية إلى (فدك) لغزو قبيلة بني سعد اليهودية، وأرسله إلى اليمن للدعوة إلى الإسلام، وأرسله إلى (منى) ليقرأ على الناس سورة براءة، ويبين لهم حكم الدين في حج المشركين، وزيارة بيت الله الحرام، وأقامه على المدينة، حين خرج المسلمون إلى غزوة تبوك.
ولم يفته - مع هذا كله - أن يلمح الجفوة بينه وبين بعض الناس، وأن يكله إلى السن تعمل عملها مع الأيام، ويكلهم في شأنه إلى ما ارتضوه، عسى أن تسنح الفرصة لمزيد من الألفة بينهم وبينه.
ثم يقول الأستاذ العقاد: هذا - فيما نعتقد - أصح علاقة يتخيلها العقل، وتنبئ عنها الحوادث بين النبي صلى الله عليه وسلم، وبين ابن عمه العظيم، وربما كانت أصح العلاقات المعقولة، لأنها هي وحدها العلاقة الممكنة المأمونة، وكل ما عداها فهو بعيد من الإمكان، بعده من الأمان، فهو يحبه، ويمهد له، وينظر إلى غده، ويسره أن يحبه الناس، كما أحبه، وأن يحين الحين الذي يكلون فيه أمورهم إليه.