ومنها (ثانيا) قوله صلى الله عليه وسلم في بعض طرق الحديث: إن الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه، فهذا مولاه - يعني عليا عليه السلام - فجعل صلى الله عليه وسلم كلمة أولى بهم من أنفسهم بيانا لقوله: وأنا مولى المؤمنين، ومفسرا لمعناه، وهذا أيضا دليل واضح على كون المراد من (مولى) هنا هو أولى بهم من أنفسهم.
ومنها (ثالثا) تصريحه في بعض طرقه بلفظ (أولى به من نفسه) في حديث كنز العمال والهيثمي، الذي كان أوله: إني لا أجد لنبي... إلى قوله: ثم أخذ بيد علي: فقال: من كنت أولى به من نفسه، فعلي وليه، فإن ذلك كذلك دليل واضح على أن المراد من (المولى) في بقية طرق الحديث هو الأولى به من نفسه، بأن الأخبار يفسر بعضها بعضا.
ومنها (رابعا) قوله صلى الله عليه وسلم، في طرقه الممزوج بحديث الثقلين: إنه لم يعمر نبي إلا نصف عمر الذي يليه من قبله، أو أني لا أجد لنبي إلا نصف عمر الذي كان قبله، وإني يوشك أن أدعى فأجيب، أو إني قد يوشك أن أدعى فأجيب، وإني مسؤول، وإنكم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون، فإن هذا كله من أقوى الأدلة على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن إلا في مقام الوصية والاستخلاف، وتعيين الإمام من بعده، كي يأتم به الناس، ويهتدوا بهداه، ويقفوا أثره، ولا يتركهم سدى، أتباع كل ناعق، وليس بصدد بيان أن من كنت محبه أو ناصره أو نحو ذلك من المعاني، فعلي محبه أو ناصره، فإن إرادة مثل هذه المعاني مما لا يحتاج إلى ذكر قرب مودته، ودون أجله صلى الله عليه وسلم، وأنه يوشك أن يدعى فيجيب وغير ذلك.
ومنها (خامسا) أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ومجموع ما صدر منه في ذلك اليوم - يوم غدير خم - مع صرف النظر عن كل قرينة لفظية، إنما هو أقوى دليل، وأعظم شاهد، على أنه صلى الله عليه وسلم إنما كان بصدد نصب الإمام، والخليفة من بعده، وأن المراد من (المولى) هو الأولى بهم من أنفسهم، ذلك أننا إذا تأملنا