جمع الأحاديث التي سماها كتاب الفردوس إنما حذف منها أسانيدها تعمدا منه وقصدا لأسباب عدة، أولها: اقتداء واتساء بمن تقدمه من أهل العلم والزهد والعبادة. وثانيها: تخفيفا على الطالبين وتسهيلا للناظرين فيه والحافظين له.
وثالثها: قلة رغبة جيل هذا الزمن في المسندات... والقول في فضيلة الأسناد أكثر من أن تتضمنه أوراق وليس هذا موضعه. ورابعها: أنه خرجها من مسموعاته وكان رحمه الله متحققا متيقنا أن أكثرها بل عامتها مسند، وفي مصنفات الحفاظ الثقات ومجموعات الأئمة الأثبات.
فعراها عن الإسناد اختصارا كما بين عذره في خطبة الكتاب.
وهو كتاب نفيس عزيز الوجود، مفتون به، جامع للغرر والدرر النبوية والفوائد الجمة والمحاسن الكثيرة، قد طنت به الآفاق وتنافست في تحفظه الرفاق، لم يصنف في الإسلام مثله تفصيلا وتبويبا، ولم يسبق إليه من سلافة الأيام ترصيفا وترتيبا. كأن كل فصل من فصوله حقة لئالئ ملئت من الدرر المنظومة واللآلئ المكنونة، أو جونة عطار فتقت بغارات المسك مشحونة. وكم ضمنه رحمه الله من عجائب الأخبار وغرائب الأحاديث مما لا يوجد في كثير من الكتب، فهو في الحقيقة كالفردوس التي وصفها الله سبحانه وتعالى فقال:
* (وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين) *.
فأما اليوم فقد كثرت نسخه في البلاد واشتهرت فيما بين العباد، بحيث لم يبق بلدة من بلاد العراق ولا كورة من أقطار الآفاق إلا وعلماؤها مثابرون على تحصيله، وأئمتها مكبون على اشترائه ونسخه، وفضلاؤها مواظبون على قراءته وحفظه، يرتعون في رياض محاسنه ويجتنون من ثمار فوائده، فسار مسير الشمس في كل بلدة، وهب هبوب الريح في البر والبحر، يستحسنه الأئمة والحفاظ ويستفيد منه العلماء والوعاظ، ويستطيبه نحارير الفضلاء، وترتضيه أكياس البلغاء لنفاستها، وتبذل الملوك الرغائب في استكتابه لخزانتها، ولم أسمع أحدا من أهل هذا الزمان عاب هذا الكتاب أو طعن فيه بسبب حذف