هل يمكن أن نسمي وسائل النهب، والجوع، والقتل، والفساد علما؟!
أهو علم ونور هذا الذي يسوق المجتمع شطر الفساد والضياع، أم هو الجهل والظلمة؟
هنا يستبين معنى الكلام النبوي الدقيق، إذ قال (صلى الله عليه وآله):
" إن من العلم جهلا " (1).
يثار هنا سؤال يقول: كيف يصير العلم جهلا؟ ألا يعني هذا تناقضا في الكلام؟
بيد أننا إذا تأملنا فيه تبين لنا أنه ليس تناقضا في الكلام، بل هو كلام دقيق ذو مغزى.
عندما يفقد العلم جوهره وخاصيته، فهو والجهل سواء. ولذا قال الإمام علي (عليه السلام): " لا تجعلوا علمكم جهلا " (2). أي لا تتصرفوا تصرفا يفقد العلم خاصيته، ويسلب منه اسمه الصحيح.
لقد مني العلم اليوم بهذا المصير المشؤوم بعد فقده جوهره واتجاهه المستقيم السديد، فأصبح كالجهل قاتلا، مفسدا، مدمرا، بل أصبح أشد ضررا من الجهل!
ما أروع كلام الإمام علي (عليه السلام) وما أدقه! إذ قال:
" رب عالم قتله جهله، وعلمه معه لا ينفعه " (3).
إن المصير المؤسف للعالم الذي يهلك من جهله عجيب حقا، فعند ما حدث سعد بن أبي وقاص رسول الله (صلى الله عليه وآله) مرة، بما جرى له في سفره، قال له مصورا جهل