ولهذا نقول إن قيمة جوهر العلم مطلقة، وقيمة العلوم الرسمية مشروطة، وشرط قيمتها أن تكون في خدمة الإنسان، ولا يمكنها أن تصب في خدمته إذا جردت من جوهر العلم، بل إنها ربما استخدمت ضد الإنسان.
النقطة المهمة اللافتة للنظر هي أن العلم عندما يفقد جوهره وخاصيته، فلا يساوي الجهل فحسب، بل يصبح أشد ضررا منه؛ إذ يعجل في حركة الإنسان نحو السقوط والانحطاط.
إذا فقد العلم جوهره واتجاهه الحقيقي، فإنه يصبح كالدليل الذي يسوق المرء إلى هاوية الضلال، بدل أن يهديه إلى سواء السبيل، من هنا كلما تقدم العلم، كان خطره أكبر على المجتمع الإنساني.
إن الخطر الكبير الذي يهدد المجتمع البشري اليوم هو أن العلم قد ارتقى كثيرا، بيد أنه فقد جوهره وخاصيته واتجاهه السديد، واستخدم باتجاه انحطاط الإنسانية وسقوطها.
ويمكن أن ندرك بتأمل يسير، الآفات التي فرضها العلم على المجتمع البشري في واقعنا المعاصر، ونفهم ماذا تجرع الإنسان من ويلات حين قبضت القوى الكبرى على سلاح العلم، ونعرف كيف تعامل الناهبون - الذين استغلوا العلم لسلب الإنسان ماديا ومعنويا - بقسوة، ولا يرحمون أحدا.
قال برشت " الإنسان المعاصر متنفر من العلم؛ لأن العلم هو الذي أوجد الفاشية وفرضها على البشرية، والعلم هو الذي وسع رقعة الجوع لأول مرة، بحيث غدا اثنان - من كل ثلاثة في العالم - جياعا (1).