وعبر عن ذلك بلفظ الذبح، ليصح من إبراهيم (عليه السلام) الاعتقاد له، والصبر على المضض فيه، الذي يستحق جزيل الثواب عليه، ولو فسر له في الأمر المراد على التعيين لما صح منه الاعتقاد للذبح، ولا كان ما أمر به شاقا، يستحق عليه الثناء، والمدح، وعظيم الأجر، والذي نهى الله تعالى عنه هو الذبح في الحقيقة، وهو الذي لم يبق غيره، ولم تتعلق الإرادة قط به، فقد صح بهذا أن الله تعالى لم يأمر بما لا يريد، ولا نهى عما أراد، والحمد لله.
قال الخصم: فقد انتهى قولك إلى أن الذي أمر به غير الذي نهى عنه، وليس هذا هو البداء.
فقلت له: أما في ابتداء الأمر فما ظن إبراهيم (عليه السلام) إلا أن المراد هو الحقيقة، وكذلك كان ظن ولده إسماعيل (عليه السلام)، فلما انكشفت بالنهي لهما ما علماه مما كان ظنهما سواه، كان ظاهره بداء، لمشابهته لحال من يأمر بالشئ، وينهى عنه بعينه في وقته، وليستسلمه على ظاهر الأمر دون باطنه.
فلم يرد على ما ذكرت شيئا، وهذا الذي اتفق لي من الكلام في البداء (1).