فقلت له: لم جعلت الجمع بينهما من حيث ذكرت أولى من التفرقة بينهما، من حيث كان أحدهما مريدا لإتمام قبل أن يبدو له فيه فينهى عنه، وهو الطبيب، والآخر غير مريد لإتمامه على كل وجه، وهو سيد العبد، بل كيف لم تفرق بينهما من حيث أن الطبيب لم يجز قط أن يقع منه اختلاف الأمر إلا لتجدد علم له لم يكن، وسيد العبد يجوز أن يقع منه النهي بعد الأمر من غير أن يتجدد له علم، ويكون عالما بنهضته في الحالين، ومسارعته إلى ما أحب، وإنما أمره بذلك ليعلم الحاضرون حسن طاعته، ومبادرته إلى أمره، وأنه ممن يجب اصطفاؤه، والإحسان إليه، والتعويل في الأمور عليه.
قال: فإذا سلمت لك الفرق بينهما، فما تنكر أن يكون دالا على أن مثالك الذي أتيت به غير داخل في البداء؟
قلت: أنكرت ذلك من قبل أن البداء عندنا جميعا نهي الآمر عما أمر به قبل وقوعه في وقته، وإذا كان هذا هو الحد المراعى فهو موجود في مثالنا، وقد أجمع العقلاء أيضا على أن السيد فيه قد بدا له فيما أمر به عبده.
قال: فإذا دخل القسمان في البداء، فما الذي تجيز على الله تعالى منهما؟
فقلت أقربهما إلى قصة إبراهيم الخليل (عليه السلام) وأشبههما لما أمر الله تعالى في المنام بذبح ولده إسماعيل (عليه السلام)، فلما سارع إلى المأمور راضيا بالمقدور، وأسلما جميعا صابرين، وتله للجبين، نهاه الله عن الذبح بعد متقدم الأمر، وأحسن الثناء عليهما، وضاعف لهما الأجر.
وهذا نظير ما مثلت من أمر السيد وعبده، وهو النهي عن المأمور به قبل وقوع فعله.