قال: فمن سلم لك أن إبراهيم (عليه السلام) مأمور بذلك من قبل الله سبحانه؟
قلت: سلمه لي من يقر بأن منامات الأنبياء (عليهم السلام) صادقة، ويعترف بأنها وحي الله في الحقيقة، وسلمه لي من يؤمن بالقرآن، ويصدق ما فيه من الأخبار.
وقد تضمن الخبر عن إسماعيل أنه قال لأبيه: * (يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين) * (1)، وقول الله تعالى لإبراهيم: * (قد صدقت الرؤيا) * وثناؤه عليه، حيث قال: * (كذلك نجزي المحسنين) * (2). وليس بمحسن من امتثل غير أمر الله تعالى في ذبح ولده، وهذا واضح لمن أنصف من نفسه.
قال: فإني لا أسمي هذا بداء.
فقلت له: ما المانع لك من ذلك، أتوجه الحجة عليك به، أم مخالفته للمثال المتقدم ذكره؟
فقال: يمنعني من أن أسميه البداء، أن البداء لا يكشف إلا عن متجدد علم لمن بدا له، وظهوره له بعد ستره، وليس في قصة إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) ما يكشف عن تجدد علم الله سبحانه، ولا يجوز ذلك عليه، فلهذا قلت إنه ليس ببداء.
فقلت له: هذا خلاف ما سلمته لنا من قبل، وأقررت به، من أن سيد العبد يجوز أن يأمره بما ذكرناه، ثم يمنعه مما أمره به وينهاه، مع علمه بأنه يطيعه في الحالين لغرضه في كشف أمره للحاضرين.