ثم ما الذي ألزمنا وأوجب علينا أن نلعن أحدا من المسلمين أو نبرأ منه!
وأي ثواب في اللعنة والبراءة! إن الله تعالى لا يقول يوم القيامة للمكلف: لم لم تلعن؟ بل قد يقول له: لم لعنت؟ ولو أن إنسانا عاش عمره كله لم يلعن إبليس لم يكن عاصيا ولا آثما، وإذا جعل الإنسان عوض اللعنة أستغفر الله كان خيرا له.
ثم كيف يجوز للعامة أن تدخل أنفسها في أمور الخاصة، وأولئك قوم كانوا أمراء هذه الأمة وقادتها، ونحن اليوم في طبقة سافلة جدا عنهم، فكيف يحسن بنا التعرض لذكرهم! أليس يقبح من الرعية أن تخوض في دقائق أمور الملك وأحواله وشؤونه التي تجري بينه وبين أهله وبني عمه ونسائه وسراريه! وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) صهرا لمعاوية، وأخته أم حبيبة تحته، فالأدب أن تحفظ أم حبيبة وهي أم المؤمنين في أخيها.
وكيف يجوز أن يلعن من جعل الله تعالى بينه وبين رسوله مودة! أليس المفسرون كلهم قالوا: هذه الآية أنزلت في أبي سفيان وآله، وهي قوله تعالى:
* (عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة) * (1)! فكان ذلك مصاهرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبا سفيان وتزويجه ابنته، على أن جميع ما تنقله الشيعة من الاختلاف بينهم والمشاجرة لم يثبت، وما كان القوم إلا كبني أم واحدة، ولم يتكدر باطن أحد منهم على صاحبه قط ولا وقع بينهم اختلاف ولا نزاع.
فقال أبو جعفر (رحمه الله): قد كنت منذ أيام علقت بخطي كلاما وجدته لبعض الزيدية في هذا المعنى نقضا وردا على أبي المعالي الجويني فيما اختاره لنفسه من هذا الرأي، وأنا أخرجه إليكم لأستغني بتأمله عن الحديث على ما قاله هذا الفقيه،