القول في الغيبة، ولكن لما تعلق بمذهب غريب أحببت أن أقف عليه وأنا أعود إلى مسألتي الأولى وأكلمك في هذا المذهب بعد هذا يوما آخر، أخبرني الآن إذا لم يكن الإمام في تقية منك فما باله لا يظهر لك فيعرفك نفسه بالمشاهدة، ويريك معجزة، ويبين لك كثيرا من المشكلات، ويؤنسك بقربه ويعظم قدرك بقصده ويشرفك بمكانه، إذا كان قد أمن منك الإغراء به وتيقن ولايتك له ظاهرة وباطنة؟
فقلت له: أول ما في هذا الباب أنني لا أقول لك إن الإمام (عليه السلام) يعلم السرائر وإنه مما لا يخفى عليه الضمائر، فتكون قد أخذت رهني، أنه يعلم من ما أعرفه من نفسي، وإذا لم يكن ذلك مذهبي، وكنت أقول إنه يعلم الظواهر كما يعلم البشر، وإن علم باطنا فبإعلام الله عز وجل له خاصة على لسان نبيه (صلى الله عليه وآله) بما أودعه آباؤه (عليهم السلام) من النصوص على ذلك أو بالمنام الذي يصدق ولا يخلف أبدا، أو لسبب أذكره غير هذا، فقد سقط سؤالك من أصله لأن الإمام إذا فقد علم ذلك من جهة الله عز وجل أجاز علي ما يجيزه على غيري ممن ذكرت، فأوجبت الحكمة تقيته مني - وإنما تقيته مني - على الشرط الذي ذكرت آنفا، ولم أقطع على حصوله لا محالة، ولم أقل إن الله عز وجل قد اطلع الإمام على باطني وعرفه حقيقة حالي قطعا فتفرع الكلام عليه، على أنني لو قطعت على ذلك لكان لترك ظهوره لي وتعرفه إلي وجه واضح غير التقية.
وهو أنه (عليه السلام) قد علم أنني وجميع من شاركني في المعرفة لا يزول عن معرفته، ولا يرجع عن اعتقاد إمامته، ولا يرتاب في أمره ما دام غائبا وعلم أن اعتقادنا ذلك من جهة الاستدلال، ومع عدم ظهوره لحواسنا أصلح لنا في تعاظم الثواب وعلو المنزلة باكتساب الأعمال، إذ كان ما يقع من العمل بالمشاق الشديدة