مناظرات في العقائد والأحكام - الشيخ عبد الله الحسن - ج ١ - الصفحة ٢٥٦
جالسا مستوفزا، قال: يا شعبي هذا يوم أضحى، وقد أردت أن أضحي برجل من أهل العراق، وأحببت أن تسمع قوله، فتعلم أني قد أصبت الرأي فيما أفعل به.
فقلت: أيها الأمير، لو ترى أن تستن بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وتضحي بما أمر أن يضحي به، وتفعل فعله، وتدع ما أردت أن تفعله به في هذا اليوم العظيم إلى غيره.
فقال: يا شعبي، إنك إذا سمعت ما يقول صوبت رأيي فيه، لكذبه على الله وعلى رسوله، وإدخاله الشبهة في الإسلام.
قلت: أفيرى الأمير أن يعفيني من ذلك؟
قال: لا بد منه.
ثم أمر بنطع فبسط، وبالسياف فأحضر، وقال: أحضروا الشيخ، فأتوه به، فإذا هو يحيى بن يعمر (1)، فأغممت غما شديدا، فقلت في نفسي: وأي شئ يقوله

(١) هو: أبو سليمان يحيى بن يعمر العامري البصري، ولد في البصرة، وهو أحد قرائها وفقهائها، كان عالما بالقرآن الكريم والفقه والحديث والنحو ولغات العرب، وكان من أوعية العلم وحملة الحجة، أخذ النحو عن أبي الأسود الدؤلي، وحدث عن أبي ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، وابن عباس وغيرهم، كما حدث عنه جماعة أيضا، وكان من الشيعة الأولى القائلين بتفضيل أهل البيت - صلوات الله وسلامه عليهم -، وقيل: هو أول من نقط القرآن قبل أن توجد تشكيل الكتابة بمدة طويلة، وكان ينطق بالعربية المحضة واللغة الفصحى طبيعة فيه غير متكلف، طلبه الحجاج من والي خراسان قتيبة بن مسلم فجئ به إليه، لأنه يقول أن الحسن والحسين (عليهما السلام) ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد أذهل الحجاج بصراحته وجرأته في إقامة الحق وإزهاق الباطل حتى نصره الله عليه، كما نفاه الحجاج في سنة 84 ه‍ لأنه قال له: هل ألحن؟ فقال: تلحن لحنا خفيا، فقال:
أجلتك ثلاثا، فإن وجدتك بعد بأرض العراق قتلتك؟! فخرج، وأخباره ونوادره كثيرة، توفي - رحمة الله عليه - سنة 129 ه‍. راجع ترجمته في: وفيات الأعيان لابن خلكان: ج 6 ص 173 - 176، ترجمة رقم: 797، معجم الأدباء للحموي: ج 20 ص 42 - 43، ترجمة رقم: 23، سير أعلام النبلاء للذهبي: ج 4 ص 441 - 443، الأعلام للزركلي: ج 9 ص 225، مستدركات علم رجال الحديث للشاهرودي: ج 8 ص 242 ترجمة رقم: 16298.
(٢٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 251 252 253 254 255 256 257 258 259 261 263 ... » »»
الفهرست