أما أن معاوية أراد نبش قبر علي فلا نظن ذلك بمعاوية، فنحن عندنا روايات على الضد مما تقول، وإن كنا نقول إن الحق مع علي، وإنه أفضل من معاوية، منها ما رواه أبو نعيم في الحلية (1 / 84 - 8) أن رجلا من أصحاب علي ومحبيه وهو ضرار بن ضمرة الكناني دخل مجلس معاوية وهو يعلم حبه لعلي ونصرته له فيستنطقه معاوية ليسمع منه وصفا لعلي وتعدادا لفضائله فقال له: صف لي عليا، فقال: أو تعفيني با أمير المؤمنين قال: لا أعفيك، قال: أما إذ لا بد فإنه كان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل وظلم، كان والله غزير العبرة طويل الفكرة، يقلب كفه ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما جشب، كان والله كأحدنا يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، وكان مع تقربه إلينا وقربه منا لا نكلمه هيبة له، فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظم أهل الدين، ويحب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله. فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه يميل في محرابه قابضا على لحيته يتملل تململ السليم ويبكي بكاء الحزين، فكأني أسمعه الآن وهو يقول: يا ربنا يا ربنا - يتضرع إليه - ثم يقول للدنيا: إلي تعرضت، إلي تشوفت، هيهات هيهات، غري غيري، قد بتتك ثلاثا فعمرك قصير، ومجلسك حقير، وخطرك يسير.. آه من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق!! فوكفت دموع معاوية على لحيته ما يملكها، وجعل ينشفها بكمه وقد اختنق القوم بالبكاء، فقال: كذا
(٥٠٤)