* وكتب (أبو زهراء)، السادسة مساء:
أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة، وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحا، ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير، فسدلت دونها ثوبا وطويت عنها كشحا، وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء، أو أصبر على طخية عمياء، يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه.. فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى، فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجا، أرى تراثي نهبا...
حتى مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى ابن عدي بعده، ثم تمثل بقول الأعشى:
شتان ما يومي على كورها * ويوم حيان أخي جابر فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته، إذ عقدها لآخر بعد وفاته؟!! لشد ما تشطرا ضرعيها! فصيرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها، ويخشن مسها ويكثر العثار فيها والاعتذار منها، فصاحبها كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم، وإن أسلس لها تقحم!! فمني الناس، لعمر الله، بخبط وشماس وتلون واعتراض، فصبرت على طول المدة، وشدة المحنة..
حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أني أحدهم!! فيا لله وللشورى متى اعترض الريب في مع الأول منهم، حتى صرت أقرن إلى مثل هذه النظائر؟!
لكني أسففت إذ أسفوا وطرت إذ طاروا، فصغا رجل منهم لضغنه، ومال الآخر لصهره، مع هن وهن!!
إلى أن قام ثالث القوم، نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه، وقام معه بنو أبيه يجضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع!! إلى أن انتكث عليه فتله وأجهز عليه عمله وكبت به بطنته. نهج البلاغة - الخطبة الثالثة