شرح إحقاق الحق - السيد المرعشي - ج ٢٩ - الصفحة ٦٠٩
وقال: والله إن وراء هذه الدار دار يجزى فيها المحسن بإحسانه ويعاقب المسئ بإساءته.
قلت: روى ابن أبي الحديد في شرح النهج مثل ذلك عن ولده الشريف زبير بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر عنده رجل ظلوم من بني أميةمات. قال:
كيف؟ قيل: حتف أنفه. فقال الزبير: وفي هذا دلالة أن لله دارا غير هذه الدار - فذكر مثل قول أبيه عبد المطلب.
ويروى أن عبد المطلب يعطى نور الأنبياء وجمال الملوك ويبعث أمة واحدة لأنه كان على التوحيد، وروي عن أبي طالب قال: ولقد كان أبي يقرأ الكتاب جميعا. ولقد قال: إن من صلبي لنبيا لوددت أني أدركت ذلك الزمان فآمنت به فمن أدركه من ولدي فيؤمن به.
وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال: والله ما عبد أبي ولا جدي ولا هاشم ولا عبد مناف صنما قط. قيل: فما كانوا يعبدون؟ قال: كانوا يصلون إلى البيت على دين إبراهيم عليه السلام متمسكين به.
وروي أن عبد المطلب يعتكف شهر رمضان كل سنة في الحراء من أول الشهر إلى آخره وكان هو كآبائه الطاهرين موحدين وما قيل في آزر إنه يتخذ الأصنام آلهة فهو لم يكن أبا لإبراهيم عليه السلام بل كان عمه كما حقق في محله.
لم ينقل عن أحد من أسرة النبي صلى الله عليه وآلهوبني هاشم أن يقول للنبي صلى الله عليه وآله حين نهى قريش عن عبادة الأصنام: لم تسب آباءنا وتشتم آلهتنا وتسفه أحلامنا.
كما قالته قريش فلو عرفوا من آبائهم ذلك لقالوا: أتذكر آباءك بسوء.
وأما عداوة أبي لهب فكانت بسبب مصاهرة أبي سفيان الأموي لأنه كان متزوجا أخت أبي سفيان أم جميل حمالة الحطب وكان أبو لهب يهوي هواهم.
وأبو طالب كان على ملة آبائه ولو عبد أبو طالب صنما يلزم أن يكون أول من أشرك من هذه الأسرة الشريفة والسلسلة الكريمة ولم يثبت بطريق ثابت أن أبا طالب أو من أحدث الشرك وعبادة الأصنام من هذا النسب الطاهر والسلسلة المباركة، والأصل عدم ذلك فهو تبع لعبد المطلب في أحواله كلها من مكارم الأخلاق وحماية الذمار والرياسة حتى خرج من الدنيا وهو على ملة أبيه عبد المطلب، وكان أبو طالب ملجأ في الشدائد يلوذون به ويلتمسون منه في حل مشكلاتهم.
أصاب أهل مكة قحط شديد فأتوا أبا طالب وقالوا له: قد أقحط الوادي وأجدب العيال فهلم فاستسق فخرج أبو طالب ومعه النبي صلى الله عليه وآله هو غلام فأخذه أبو طالب فألصقه بالكعبة ولاذ الغلام أي أشار بأصبعه إلى السماء كالملتجئ وما في السماء قزعة فأقبل السحاب من هيهنا ومن هيهنا وأمطرت السماء واغدودق الوادي وكثر قطره وأخصب النادي والبادي، وفي هذه يقول أبو طالب بعد بعثة النبي صلى الله عليه وآله يذكر قريشا يده وبركته صلى الله عليه وآله عليهم من صغره:
وأبيض يستسقي الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل يلوذ به الهلاك من آل هاشم * فهم عنده في نعمة وفواضل وروى البيهقي عن أنس أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وشكا الجدب والقحط وأنشد أبياتا. فقام رسول الله صلى الله عليه وآله حتى سعد المنبر فرفع يديه إلى السماء ودعا فما رد يديه حتى التقت السماء بأبراقها ثم بعد ذلك جاؤوا يضجعون من المطر خوف الغرق، فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله حتى بدت نواجذه ثم قال: لله در أبي طالب لو كان حيا لقرت عيناه من ينشدنا قوله؟ فقال علي كرم الله وجهه: كأنك تريد قوله:
وأبيض يستسقي الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل فقال صلى الله عليه وآله: أجل. وفي هذا أيضا دلالة واضحة على إيمان أبي طالب وأنه ليس بكافر لأنه لو كان كافرا لم يدعو له النبي صلى الله عليه وآله ولم يقل: لله در أبي طالب.
ومات أبو طالب في النصف من شوال في السنة العاشرة من البعثة، وقال جبرئيل للنبي:
أخرج من مكةمات ناصرك فليس لك فيها ناصر ومعين: فهاجر النبي صلى الله عليه وآله إلى المدينة الطيبة.
ويظهر من هذه كلها أن أبا طالب ما كان كافرا وكان على دين آبائه الحنيف الإبراهيمي وإصرار هؤلاء الحمقاء على تكفيره ناش من أفكار عمال بني أمية وبني مروان وبني العباس الفسقة الفجرة تجار الحديث الذين باعوا دينهم بدنياهم وخسروا خسرانا مبينا.
وكانوا يبغضون أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي بغضه بغض رسول الله وبغض رسول الله صلى الله عليه وآله بغض الله تعالى، وذلك البغض يحثهم إلى جعل هذه الأكاذيب الفاحشة. قيل لبعضهم لم لا تحب عليا؟ قال: لأنه قتل آبائي وأجدادي. وقال أتباعهم الخبيثة يوم عاشوراء للحسين الشهيد سيد باب أهل الجنة: إنما نقتلك على بغض أبيك علي بن أبي طالب. وقالوا: إنما قتل الحسين بسيف جده. وأفتى قاضيهم بأن الحسين خرج عن دين جده فدمه هدر. وأخبر النبي صلى الله عليه وآله أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، من آذاهما فقد آذاني. ولعن قتلته هؤلاء الكذبة الفجرة قالوا ما قالوا وفعلوا ما فعلوا وجعلوا ما جعلوا بخلاف قول رسول الله صلى الله عليه وآله في علي وأبيه وأولاده حتى المهدي عليه السلام قالوا إنه من بني أمية أو من بني العباس أو من بني الحسن. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله فيه: المهدي من عترتي، وفي بعضها: هو مني من ابنتي فاطمة من ولد الحسين اسمه اسمي، يملأ الأرض عدلا وقسطا بعد ما ملئت جورا وظلما، وهؤلاء زادوا في بعضها و نقصوا في بعض آخر وحرفوا الكلم عن مواضعه.
ومما زادوا هذه الرواية: إن في لسان المهدي عليه السلام ثقلا ويحتبس عليه الكلام حتى يضرب بيده على فخذه. وعلى الاعتقاد الحق فليكن الإمام كالرسول صلى الله عليه وآله بريئا عن العيوب البدنية والنفسانية وجامعا للكمالات بأجمعها وكاملا في نفسه ومكملا لغيره ومقدما على أهل زمانه في الفضائل والفواضل بحكم العقل لأن المفضول لا يكون إماما مع وجود الفاضل يقبح تقدم المفضول على الفاضل عند العقل، والثقل في اللسان هو أيضا من العيوب المنفرة المنزجرة للنفوس فلا يجوز ذلك للإمام عليه السلام.