شرح إحقاق الحق - السيد المرعشي - ج ٢٤ - الصفحة ٤٢٧
فإن ترك المودة فيهم قطيعة رحم وأثم كبير، والمودة في القرابة صلة رحم، ورحمه صلى الله عليه وسلم أعظم الأرحام وأحقها بالمودة والصلة، وليس هناك من أجر بل تشريع من الله، فالاستثناء هنا منقطع، ولا حاجة بنا إلى زيادة بيان بعد اتفاق أهل السنة والجماعة على ما تقدم.
أخرج الإمام الحافظ أبو حاتم محمد بن حبان في صحيحه من حديث سليم بن حيان، عن أبي المتوكل الناجي، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يبغضنا أهل البيت رجل إلا أدخله الله النار.
وسليم بن حيان هو الهذلي، وأبو المتوكل هو علي بن داود الناجي البصري، وكلاهما من رواة الصحيحين.
وأخرجه الحاكم في مستدركه وقال: صحيح على شرط مسلم، عن محمد بن فضيل، عن أبان بن تغلب، عن جعفر بن إياس، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا يبغضنا أهل البيت أحد إلا أدخله الله النار.
كان العاص بن وائل - وهو من المشركين - يقول: إن محمدا أبتر لا عقب له، فأنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم " إنا أعطيناك الكوثر ". وفي رواية أخرى: أنه نهر الحوض الموعود به في الآخرة ترده هذه الأمة.
والمقصود هنا أن الخير الكثير الذي أعطاه الله محمدا صلى الله عليه وسلم لا يحصره حاصر، ولا يأتي عليه قلم كاتب، منها ما هو في نفسه كالنبوة والكتاب والمقام المحمود والشفاعة والمنزلة العظيمة عند الله، ومنها ما هو في أهل بيته وعشيرته، ومنها ما هو في أصحابه وأنصاره، ومنها ما هو في أمته. فالمؤمن الصادق يفرح بفضل الله السابغ عليه صلى الله عليه وآله وسلم، والحاسد المستكثر تضيق حوصلته بهذا كله. أما من جعل ديدنه بمعاداته صلى الله عليه وآله وسلم، بمحاداة أهل بيته فلا تسأل عن ضيق خناقه، وحرج صدره إذا ذكر آله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن كان ممن يتكسب بعلم الدين اسودت في عينه وعظمت عليه بذلك المصيبة، لاستشعاره أن ذلك مما يصرف عنه وجوه الناس، فتراه في غمة من أمره يلتمس وجود الحيل ليمحوا هذا الفضل الثابت لهم في قلوب الناس ويزرع لهم البغضاء في صدورهم، فإن كان ممن لا يتقيد بمروءة ولا أدب فما عنده إلا ما زينه له إبليس مما لا يليق إلا بأمثاله.
وقد حكى النيسابوري في تفسير الكوثر عدة أقوال، منها قوله: والقول الثالث أن الكوثر أولاده، لأن هذه السورة نزلت ردا على من زعم أنه الأبتر كما يجئ، والمعنى أنه يعطيه بفاطمة نسلا يبقون على مر الزمان، فانظر كم قتل من أهل البيت، ثم العالم مملوء منهم، ولم يبق من بني أمية في الدنيا أحد يعبأ به، والعلماء الأكابر منهم لا حد لهم ولا حصر، منهم الباقر والكاظم والرضا والتقي والنقي والذكي وغيرهم.
والأولى في توجيه ذلك ما تقدم، فإن جميع ما أنعم الله به عليه صلى الله عليه وسلم في نفسه ومن تعلق به داخل في الكوثر الذي هو الخير الكثير.
وما تقدم القول فيمن قتل من أهل البيت، وإن العالم مملوء منهم، أصدق في الواقع ومطابق للقول المأثور " بقية السيف أنمى عددا " بل لو تأملنا من تناسلوا من ذرية الإمام المهاجر وحده فقط لكفى ذلك، فقد ملأ شرق إفريقيا وأوساطها وجنوب جزيرة العرب وجنوب الهند وجنوب شرقي آسيا وغيرها علما وتلاميذا.
وفي فضل القرابة والال المنتمين إليه صلى الله عليه وسلم وردت آيات وأحاديث، فمن الآيات قوله تعالى " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ". قال العلماء: هذه الآية منبع فضائل أهل البيت لاشتمالها على غرر مآثرهم واعتناء الباري بهم حيث أنزلها في حقهم.
ومنها قوله تعالى " قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى "، قال ابن عباس: علي وفاطمة وابناهما وعن السدي أنه قال في قوله تعالى " إن الله غفور شكور " إن الله غفور لذنوب آل محمد شكور لحسناتهم.
ولا ينافي ذلك ما في البخاري عن ابن عباس أنه سئل عن قوله تعالى: إلا المودة في القربى "، قال سعيد بن جبير: قربى آل محمد صلى الله عليه وسلم، فقال له ابن عباس: عجلت، إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة، فقال: إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة. لأن ابن عباس إنما رد عليه لاقتصاره في تفسير الآية على ذلك، مع أن المقصود منها العموم.
ولذلك لم ينسبه إلى الخطأ بل إلى العجلة. ويلحظ ابن جبير أن الآية إذا أفادت الحث على المودة والصلة والحفظ لقرابته صلى الله عليه وسلم كانت أدل بطريق الأولى على الحث على هذه الأمور بالنسبة إليه صلى الله عليه وسلم. وأراد ابن عباس بيان مسلك العموم، أي تودني في قرابتي لكم، لان من جملة مودة الله تعالى مودة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته.
ومنها قوله تعالى " ان الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما " فقد صح لما نزلت قالوا: يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟ قال: قولوا " اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد " الحديث.
وفي بعض الروايات: كيف نصلي عليك يا رسول الله؟.
ففي ذلك دليل ظاهر على أن الامر بالصلاة على الال مراد من الآية، والا لما سألوه عن الصلاة على أهل البيت عقب نزولها، ولم يجابوا بما ذكر. على أنه صلى الله عليه وسلم أقامهم في ذلك مقام نفسه، إذ القصد من الصلاة عليه أن ينيله مولاه عز وجل من الرحمة المقرونة بتعظيمه ما يليق به، ومن ذلك ما يفيضه عز وجل منه على أهل بيته من جملة تعظيمه وتكريمه. ويؤيد ذلك ما يأتي في طريق أحاديث الكساء من قوله صلى الله عليه وسلم " اللهم هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد "، وقوله " اللهم إنهم مني وأنا منهم فاجعل صلواتك... " ويروي: لا تصلوا على الصلاة البتراء، تقولوا اللهم صلى على محمد وتمسكوا، بل قولوا " اللهم صلى الله على محمد وآل محمد ".
ومنها قوله تعالى " سلام على آل ياسين "، نقل جميع من المفسرين عن ابن عباس أن المراد آل محمد، وأكثر المفسرين على أن المراد الياس عليه السلام.
ومنها قوله تعالى " واعتصموا بحبل الله جميعا ز أخرج الثعلبي في تفسيره عن جعفر الصادق أنه قال: نحن حبل الله.
ومنها قوله تعالى " وقفوهم إنهم مسؤولون " قال الواحدي: مسؤولون عن ولاية أهل البيت.
ومنها قوله تعالى " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله " أخرج أبو الحسن المغازلي عن الباقر أنه قال في هذه: نحن الناس.
ومنها قوله تعالى " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم " سيأتي في الأحاديث ما يسير إلى وجود ذلك في أهل البيت وإنهم أمان لأهل الأرض.
ومنها قوله تعالى " وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى " قال ثابت البناني: اهتدى إلى ولاية أهل البيت، بل جاء ذلك عن محمد الباقر أيضا.
ومنها قوله تعالى " ولسوف يعطيك ربك فترضى " أخرج ابن جرير في تفسيره عن ابن عباس قال: رضا محمد صلى الله عليه وسلم أن لا يدخل أحدا من أهل بيته النار. قاله السدي.
فهذه الآيات بعض ما أنزل الله تعالى في كتابه، ونسأله سبحانه أن يجعلنا من جملة أحبابه.
وأما الأحاديث فكثيرة، ولكن نشير إلى ما يهتدي به ذوو القلوب المنيرة، فمما ورد في فضل النسب والسبب قوله صلى الله عليه وسلم: كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا ما كان من سببي ونسبي.
وقوله صلى الله عليه وسلم: ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع، إن كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا ما كان من سببي ونسبي، وإن رحمي موصولة في الدنيا والآخرة.
وقال صلى الله عليه وسلم: ما بال أقوام يؤذوني في نسبي وذوي رحمي، ألا ومن آذي نسبي وذوي رحمي فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله.
ومما ورد في فضل الرحم ما صح أنه صلى الله عليه وسلم قال: ما بال أقوام يقولون إن رحم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينفع قومه يوم القيامة، بلى والله إن رحمي موصولة في الدنيا الآخرة، وإني أيها الناس فرط لكم على الحوض.
وقال صلى الله عليه وسلم: ما بال أقوام يزعمون أن رحمي لا ينفع، بل ينفع حتى يبلغ جاوجكم، إني لأشفع فأشفع حتى من أشفع له فيشفع، حتى أن إبليس ليتطاول طمعا في الشفاعة.
وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله حرمات ثلاثا فمن حفظهن حفظ الله دينه ودنياه ومن لم يحفظهن لم يحفظ الله دينه ولا دنياه: حرمة الاسلام، وحرمتي، وحرمة رحمي.
وفي فضل القرابة قال صلى الله عليه وسلم: ما بال أقوام يؤذنني في قرابتي، من آذي قرابتي فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله تعالى.
وقال صلى الله عليه وسلم: من أحب الله أحب القرآن، ومن أحب القرآن أحبني، ومن أحبني أحب أصحابي وقرابتي، ولا يدخل قلب امرئ مسلم إيمان حتى يحبكم لله ولقرابتي.
وفي فضل الآل قال صلى الله عليه وسلم: حب آل محمد خير من عبادة سنة، ومن مات عليه دخل الجنة.
وقال صلى الله عليه وسلم: إن لله سياحين في الأرض قد وكلوا بمعونة آل محمد.
وقال صلى الله عليه وسلم: معرفة آل محمد براءة من النفاق، وحب آل محمد