شرح إحقاق الحق - السيد المرعشي - ج ٢٤ - الصفحة ٤٢٧
مستدرك قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " حب آل محمد يوما خير من عبادة سنة " تقدم نقل ما يدل عليه في ج 9 ص 497 و ج 18 ص 483 وص 468، ونستدرك هيهنا عمن لن نرو عنه فيما سبق 1):
١) قال الفاضل المعاصر الشيخ عبد الله بن نوح الجاوي الأندونيسي المتولد ١٣٢٤ ه - في كتاب " الإمام المهاجر " ص ٢٠٧ ط دار الشروق بجدة:
قال الشيخ الاسلام ابن تيمية في (الوصية الكبرى) ما لفظه:
وكذلك آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لهم من الحقوق ما يجب رعايتها، فإن الله جعل لهم حقا في الخمس والفئ وأمر بالصلاة عليهم مع الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لنا قولوا " اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد " وآل محمد هم الذين حرمت عليهم الصدقة، هكذا، قال الشافعي، وأحمد بن حنبل وغيرهما من العلماء رحمهم الله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد " وقال الله تعالى في كتابه " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " وحرم الله عليهم الصدقة لأنها أوساخ الناس.
وقد قال بعض السلف: حب أبي بكر وعمر إيمان وبغضهما نفاق. وفي المسانيد والسفن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للعباس لما شكى إليه جفوة قوم لهم قال " والذي نفسي بيده لا يدخلون الجنة حتى يحبوكم من أجلي " وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إن الله اصطفى بني إسماعيل، واصطفى بني كنانة من بني إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى بني هاشم من قريش واصطفاني من بني هاشم " ا ه.
وقال الإمام ابن تيمية أيضا في (أصول أهل السنة والجماعة) ويحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتولونهم ويحفظون فيهم وصيةرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: في يوم غدير خم " أذكر كم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي " وقال أيضا للعباس عمه وقد شكا إليه أن بعض قريش تجفو بني هاشم فقال " والذي نفسي بيده لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي " ا ه.
وقال الإمام ابن القيم في كتاب (اجتماع الجيوش الإسلامية) نقلا عن عقيدة حجة الاسلام أبي أحمد المعروف بابن الحداد الشافعي: ونعتقد حب آل محمد صلى الله عليه وسلم وأزواجه وسائر أصحابه رضوان الله عليهم ونذكر محاسنهم وننشر فضائلهم " ا ه.
وقال الإمام ابن تيمية في (منهاج السنة): ولا ريب أن لآل محمد صلى الله عليه وسلم حقا على الأمة لا يشركهم فيه غيرهم ويستحقون من زيادة المحبة والموالاة ما لا يستحقه سائر بطون قريش " ا ه.
وقال الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: ما على ظهر الأرض أهل بيت أحب إلي منكم، ولأنتم أحب ألي من أهل بيتي.
ودخل عبد الله بن الحسن المثنى على عمر بن عبد العزيز فرفع مجلسه وأقبل عليه وقضى حوائجه، ثم أخذ بعكتة من عكته فغمزها حتى أوجعه، وقال: أذكرها عندك للشفاعة، فلامه قومه، فقال: حدثني الثقة حتى كأني أسمعه من في رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إنما فاطمة بضعة مني يسرني ما يسرها " وأنا أعلم أن فاطمة يسرها ما فعلت بابنها.
قال الإمام القرطبي: والأحاديث تقتضي وجوب احترام آله وتوقيرهم ومحبتهم وجوب الفروض التي لا عذر لأحد في التخلف عنها. ا ه.
وروي عن يزيد بن حيان قال: انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمرو بن مسلم إلى يزيد بن أرقم رضي الله عنهم، فلما جلسنا إليه قال حصين: لقد لقيت يا يزيد خيرا كثيرا، رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت خلفه، لقد لقيت يا يزيد ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال:
يا ابن أخي والله لقد كبرت سني وقدم عهدي، ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فما حدثتكم فاقبلوا وما لا فلا تكلفونيه ثم قال: قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوما فينا خطيبا بماء يدعي (خما) بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثني عليه وعظ وذكر، ثم قال: أما بعد أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين، أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي.
فقال حصين: ومن أهل بيته يا يزيد، أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، لكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، قال: ومن هم؟ قال: آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس. قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه موقوفا عليه أنه قال: ارقبوا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم في أهل بيته.
قال تعالى في أئمة الحق " وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وأقامالصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين ".
قال ابن تيمية في منهاجه بمناسبة ذكر مسألة الكفاءة: وهذا كله بناء على أن الصلاة والسلام على آل محمد وأهل بيته تقتضي أن يكونوا أفضل من سائر البيوت وهذا مذهب أهل السنة والجماعة.
وصدق رحمه الله تعالى، فإن أهل السنة والجماعة يدينون بحب أهل البيت.
ولابن القيم كلام في الاصطفاء والاختيار، قال في كتابه (زاد المعاد): إن الله خلق السماوات سبعا فاختار العليا منها فجعلها مستقر المقربين من ملائكته واختصها بالقرب من عرشه... الخ.
ثم قال: وهذا التفضيل والتخصيص مع تساوي مادة السماوات من أبين الأدلة على كمال قدرته وحكمته وأن يخلق ما يشاء ويختار، من هذا تفضيله سبحانه جنة الفردوس على سائر الجنات. قال: ومن هذا اختياره من الملائكة المصطفين منهم على سائرهم كجبريل وميكائيل وإسرافيل، وكذلك اختياره سبحانه للأنبياء من ولد آدم عليه الصلاة والسلام، واختياره الرسل منهم، واختياره أولو العزم منهم، واختياره منهم الخليل إبراهيم ومحمد صلى الله عليهما وسلم. ومن هذا اختياره سبحانه وتعالى ولد إسماعيل من أجناس بني آدم، ثم اختار منهم كنانة بن خزيمة، واختار من ولد كنانة قريشا، ثم اختار من قريش بني هاشم، ثم اختار من بني هاشم سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم. كذلك اختار أصحابه من جملة العالمين، واختار منهم السابقين الأولين، واختار منهم أهل بدر وأهل بيعة الرضوان، واختار لهم من الدين أكمله، ومن الشرائع أفضلها، ومن الأخلاق أزكاها وأطهرها وأطيبها، واختار أمته صلى الله عليه وسلم على سائر الأمم، كما في مسند الإمام وغيره من حديث بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنتم موفون سبعين أمة أنتم أخيرها وأكرمها على الله ". قال علي بن المديني وأحمد: حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده صحيح.
وظهر أثر هذا الاختيار في أعمالهم وأخلاقهم وتوحيدهم ومنازلهم في الجنة ومقاماتهم في الموقف، فإنهم أعلى من الناس على تل فوقهم مشرفون عليهم.
ومن هذا اختياره سبحانه وتعالى من الأماكن والبلاد خيرها وأشرفها وهي البلد الحرام " ا ه. من زاد المعاد.
فإن قيل: فما معنى حديث " من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه "؟ قلنا: معناه ظاهر ولا تعارض بينه وبين ما تقدم. وبيان ذلك من وجوه:
الأول: إنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث تدل على فضل النسب الصالح والمعدن الذكي، كحديث الاصطفاء، وفي معناه حديث الاختيار، وهي صحيحة، ويمكن الجمع بينهما وبين ما قبلها.
الثاني: أهل السنة والجماعة رووا حديث " من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه " وحديث " ليس لأحد فضل على أحد إلا بدين أو عمل صالح " ورووا أيضا حديث الاصطفاء، وحديث " إن الناس معادن " وما في معناهما، ووضعوا كلا منها موضعه.
الثالث: إن الحديث الأول صحيح، رواه مسلم عن أبي هريرة، وأبو هريرة أيضا هو الذي روى عنه مسلم " من أكرم الناس ". وفيه أنه صلى الله عليه وسلم قال " أعن معادن العرب تسألوني، تجدون الناس معادن كمعادن الذهب والفضة " وفسر العلماء معادن العرب بأصول قبائلها " بنفوس أفرادها ".
وغاية ما يدل عليه الحديث أن النسيب لا يسرع به نسبه إذا أبطأ به عمله.
وهذا حق صحيح، فإن العمل الصالح هو الذي فيه التباري والتسابق، وهو الذي يمكن الاستزادة منه، أما النسب فلا يؤثر فيه الاكتساب كالجمال ونحوه من الأمور الخلقية؟؟ ففي الاسراع والسبق بمجرد النسب لا يدل على نفي ما سوى ذلك من المزايا.
الرابع: إن أهل السنة لم يقولوا إن النسب يسرع بمن أبطأ به عمله، بل أثبتوا فضله مع لوازمه، ونفوا عنه ما لا يستلزمه، فأثبتوا ما صحت به السنة من هذا ومن ذاك. وهنا وجوه أخرى استغنينا عنها اكتفاء بما ذكر.
قال الله تعالى: " قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى، ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور ".
القربى كما قال ابن حجر وغيره مصدر كالزلفى والبشرى بمعنى القرابة، ومعنى الآية إن الله تعالى أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يخبر قومه أنه لا يسألهم على الدعاء إلى الله والدلالة على الهدى مالا ولا نفعا، فإن أجره على الله إلا المودة في القربى فإني أطلبها منكم لا طلبا للأجر، ولكن أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر،