أمر طبيعي عقلي متسالم عليه، مطرد بين الأمم طرا، لدى الحكومات والسلطات والملوك العالمية برمتهم، إذ بالإضافات والنسب تقبل الأراضي والأماكن والبقاع خاصة ومزية، بها تجري عليها مقررات، وتنتزع منها أحكام لا يجوز التعدي والصفح عنها.
ألا ترى أن المستقلات والساحات والقاعات والدور والدوائر الرسمية المضافة إلى الحكومات، وبالأخص ما ينسب منها إلى البلاط الملكي، ويعرف باسم عاهل البلاد وشخصه، لها شأن خاص، وحكم ينفرد بها، يجب للشعب رعايته، والجري على ما صدر فيها من قانون.
فكذلك الأمر بالنسبة إلى الأراضي والأبنية والديار المضافة المنسوبة إلى الله تعالى فإن لها شؤونا خاصة، وأحكاما وطقوسا، ولوازم وروابط لا مناص ولا بد لمن أسلم وجهه لله من أن يراعيها، ويراقبها، ولا مندوحة لمن عاش تحت راية التوحيد والإسلام من القيام بواجبها والتحفظ عليها، والأخذ بها.
فبهذا الاعتبار المطرد العام المتسالم عليه انتزع للكعبة حكمها الخاص، وللحرم شأن يخص به، وللمسجدين الشريفين: جامع مكة والمدينة أحكامهما الخاصة بهما، وللمساجد العامة والمعابد والصوامع والبيع التي يذكر فيها اسم الله، في الحرمة والكرامة، والتطهير والتنجيس، ومنع دخول الجنب والحائض والنفساء عليها، والنهي عن بيعها نهيا باتا نهائيا من دون تصور أي مسوغ لذلك قط خلاف بقية الأوقاف الأهلية العامة التي لها صور مسوغة لبيعها وتبديلها بالأحسن، إلى أحكام وحدود أخرى منتزعة من اعتبار الإضافة إلى ملك الملوك، رب العالمين.
فاتخاذ مكة المكرمة حرما آمنا، وتوجيه الخلق إليها، وحجهم إياها من كل فج عميق، وإيجاب كل تلكم النسك، وجعل كل تلكم الأحكام حتى بالنسبة إلى نبتها وأبها، إن هي إلا آثار الإضافة،