ومقررات تحقق ذلك الاعتبار، واختيار الله إياها له من بين الأراضي.
وكذلك عد المدينة المنورة حرما إلهيا محترما، وجعل كل تلكم الحرمات الواردة في السنة الشريفة لها وفي أهلها وتربتها ومن حل بها ومن دفن فيها، إنما هي لاعتبار ما فيها من الإضافة والنسبة إلى الله تعالى، وكونها عاصمة عرش نبيه الأعظم صاحب الرسالة الخاتمة (صلى الله عليه وآله وسلم).
وهذا الاعتبار وقانون الإضافة كما لا يخص بالشرع فحسب، بل هو أمر طبيعي أقر الإسلام الجري عليه، كذلك لا ينحصر هو بمفاضلة الأراضي، وإنما هو أصل مطرد في باب المفاضلة في مواضيعها العامة من الأنبياء والرسل، والأوصياء، والأولياء، والصديقين، والشهداء، وأفراد المؤمنين وأصنافهم، إلى كل ما يتصور له فضل على غيره لدى الإسلام المقدس. بل هذا الأصل هو محور دائرة الوجود، وبه قوام كل شئ، وإليه تنتهي الرغبات في الأمور، ومنه تتولد الصلات والمحبات، والعلائق والروابط، لدة عوامل البغض والعداء والشحناء والضغائن.
وهو أصل كل خلاف وشقاق ونفاق، كما أنه أساس كل وحدة واتحاد وتسالم ووئام وسلام. وعليه تبنى صروح الكليات، وتتمهد المعاهد الاجتماعية، وفي إثره تشكل الدول، وتختلف الحكومات، وتحدث المنافسات والمشاغبات والتنازع والتلاكم والمعارك والحروب الدامية، وعلى ضوئه تتحزب الشعوب والقبائل، وتتكثر الأحزاب والجمعيات، وبالنظر إليه تؤسس المؤسسات في أمور الدين والدنيا، وتتمركز المجتمعات الدينية، والعلمية والاجتماعية، والشعوبية، والقومية، والطائفية، والحزبية، والسياسية. إلى كل قبض وبسط، وحركة وسكون، ووحدة وتفكك، واقتران وافتراق.
فالحكومة العالمية العامة القوية القهارة الجبارة الحاكمة على الجامعة