عليه متلقين إياه بحسن القبول، (والذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب).
إليك البيان الحب والبغض خلتان تتواردان على الخواطر، يعبر بهما عن إقبال النفس وميلها إلى الشئ، وعن إدبارها عنه وتوليه، فإن الأشياء برمتها وحذافيرها ماديا ومعنويا، جزئيا وكليا، أمريا وخلقيا، غيبيا وشهوديا، ملكيا وملكوتيا، سفليا وعلويا، نوريا وناريا، جوهريا وعرضيا، فرديا واجتماعيا، شخصيا ونوعيا، ماديا ومعنويا، جسميا وروحيا، دنيويا وأخرويا، إلى جميع ما يقع مورد تصور الإنسان وتصديقه، لما عرضت على محكمة القضاء في النفس تصورا وتصديقا، المنعقدة لدى عرض كل شئ عليها في أقصر آن لمحة البرق بصورة يقصر الفهم عن إدراكها، فلا يخلو من انعكاس الشئ في عدسة القلب ومرآته، وميل النفس إليه ورغبته فيه بعد تمامية تصوره وتصديقه، وإذعان النسبة بينها وبينه، أو عدم انعكاسه في صفح القلب، وإعراض النفس ورغبتها عنه، وهذه هي حقيقة الحب والبغض.
والأمران كما يتبعان كلاهما في أصل تحققهما البواعث والدواعي لهما الموجودة في الشئ، كذلك يتبعانها في مدارجهما ومقاديرهما ومراتبهما، ويحدان بعدها وحدها، ويوصفان من الكثرة والقلة والضعف والشدة بقدر ما يوجد من البواعث وزنتها، فبميزان المسببات تعاير المحبات وتوزن.
فالذات الوحيد الذي يستأهل للحب أولا وبالذات قبل كل شئ إنما هو الله تبارك وتعالى نظرا إلى ذاته وأفعاله، فكل صفة من صفات جلاله وجماله وكماله، وكل سمة من مظاهر قدسه، وسبحات وجهه،