وبينات عظمته وكبريائه، ودلائل عواطف رحمته ولطائف بره مع تكثرها بمفردها باعثة قوية للحب الذي لا انتهاء له وأسماؤه التي تناهز ألفا أو تزيد، وتنبئ كل منها عن المسمى بصفة مطابقة، وبصفات التزاما وتضمنا، هي بواعث وموجبات للحب له تعالى من ألف ناحية وناحية، تستقل كل واحدة منها رأسا في استعباد الإنسان، واحتلال حبة قلبه بالحب.
ولله تعالى الأولية والأولوية في الحب، والذي يوجد لدى غيره من دواعي الحب وأسبابه فمن رشحة فضله، وغيث جوده، ونفحة عطفه ولطفه، وإليه تنتهي حلقات الوجود، وإلي عوارف رحمته تمتد سلاسل الحياة، ومنه جل وعلا سوابغ النعم، وصفو المنائح والمنن، وما بكم من نعمة فمن الله، فمن قدم غيره تعالى عليه في الحب فقد شذ عن حكم العقل، وقدم الممكن على الواجب، وآثر المعلول على العلة، وعلى الله أن يؤاخذه بذلك ويعاقبه كما جاء في قوله تعالى: (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين) (سورة التوبة / 24).
ومهما لم تك تحد تلكم الصفات صفات الواجب تعالى، ولا تقف دون حد موصوف، فالحب الذي تستتبعه هي، وهو وليدها، وينبعث هو منها، لا بد من أن يكون غير محدود، ولا يتصور فيه قط غلو وإن بلغ ما بلغ، إذ الغلو إنما هو التجاوز عن الحد، والخروج عن القياس المعين المعروف بحدوده ومقاديره، فما لا حد له لا غلو فيه.
وإنما يختلف الناس في مراتب الحب لله على عدد رؤوسهم لاختلافهم في العلم ببواعثه، وذلك أن الحب المنتزع من بواعثه وموجباته يستتبعه العلم بها، وينشأ ويقدر بقدر الاطلاع عليها،