يكون القدير على تمشية ذلك النظام أو تطبيقه على الجميع وتنفيذه فيهم كافة بغير محاباة ولا مجاملة أو ميل لأحد على أحد فيكون الكل لديه في الحق سواء ولا تأخذه في الله لومة لائم. ولا فرق عنده في القيام بهذه المسؤولية العظمى والعب الرازح بين أن تكون دعوته قد عمت البشر أجمع وهيمنت على الكرة كلها أو تكون مقصورة على إقليم خاص. ولو لم تكن له تلك الكفاءة والمقدرة لما صلحت شريعته لأن تجمع العالم بأسره تحت نظامها البديع وقانونها الباهر.
إن الهيمنة على الكرة بأسرها، وتعميم الشريعة للعالم أجمع، يتطلبان الكفاء والمقدرة اللتين لا تكونان في العادة لبشر مهما كان له من العلم والقدرة وقوة الفكر والمزاج واعتدال الطبايع.
إن الرسالة إصلاح للبشر وتسوية في الحقوق وعدل في الأمة ومن يرتدي هذه الحلة السماوية فلا يعدو أن يكون أهلا للنهوض بهذه الأعباء الباهضة وكيف يتبعث الله إنسانا بذلك العبء الثقيل ولا يجعل فيه تلك القوى الجسيمة.
فلو كانت له السيطرة على أقصى البلاد التي لا تصل رسله إليها إلا بالشهور أو السنين ولا تصل صرخته إليه من ولاته ودعاته وجباته إلا بذلك الزمن البعيد فكيف يكون عدله شاملا وأمنه مستتبا وفي يوم فيه عامله جائر وجابيه خائف وقاضيه ظالم ولا تصله أخبارهم إليه ولا نجدته له ولا رفع الظلم عنهم والانتصاف لهم من أولئك الخونة الجائرين إلا بعد إعلامه بالشأن وإيقافه على الحال وهو يتطلب ذلك الأمد الأبعد.